وانا استيقظ صباحا ما زال في فمي طعم الشهد ورائحة الورد من ليلة امس وانا احدث سيد الشهداء... الشهداء...!!!! يا ترى هل هناك شيء اسمه الشهادة وهل هناك شهداء فعلا..؟ كم مزعج انا حين اتوقف عند كل حرف ومفردة وعبارة لاحللها وادخلها في معمل التشكيك والتساؤل، ولهذا السبب ربما لم اتحسس طعم الراحة منذ سنين.. منذ ان عرفت معنى الوعي (الوعي– النقمة) الذي يسرق منك البلاهة والخدر والراحة والاطمئنان ويهديك القلق والبحث وعدم الاستقرار والوقوف على ارض ما.
هذا اليوم انا اغرق في احلام اليقظة وحلمي الاكبر هو ان يزورني الرجل الملائكي الحنون ليلاً والناس تغط في نوم عميق او ان بعضهم يحيي ذكرى شهادة الحسين اقصد يحييها بشكلها الكلاسيكي من طبخ طعام او قراءة قصائد لرواديد همهم الوحيد ان يسمعوا صوت اللطم على الصدور بقوة او يحاولوا ان يشعلوا المجلس بالحماس الوهمي حين يرددون عبارتهم المشروخة (اريد اسمع جوابك.. او سمعني ونتك.. او ان الزهرة حاضرة هنا وتباوع عليك).
كأنني اعد نفسي لموعد غرامي مع فتاة باهرة الجمال والحضور..اغتسلت وحلقت لحيتي التي يحرم الفقهاء حلقها وتعطرت وحضرت اجمل ملابسي واستمعت الى موسيقى يتهوفن..السيمفونية الخامسة تحديدا والتي يحرم اغلب الفقهاء ايضا سماع الموسيقى باعتبارها من ادوات الطرب واللهو عن ذكر الله..
تناولت طعام العشاء قبل وقته واتعبت جسدي جدا في النهار حتى اذهب الى النوم باكرا..اذهب الى موعدي الجنائني الناعم والمرهف والشفيف.
وقفت على الشرفة ايضا استمتع بتذكير نفسي بحوار امس الى ان تعبت ووضعت رأسي على الوسادة... لا اعرف كم من الدقائق او الساعات نمت حتى استيقظت على يد حنونة على خدي تحاول ايقاظي كما كانت تفعل والدتي حين توقظني صباحا لاذهب الى المدرسة.
فتحت عيني على نفس الوجه الملائكي.. وجه الحسين وصوته الساحر وهو يقول اسعدت مساءً... ابتسمت... فقال اعلم ما في نفسك انك تقول لما لم يقل السلام عليكم وهي تحية الاسلام قلت خجلا نعم...قال لسببين يا صديقي قلت ما هما سيدي؟ قال اولا لنتعامل كأصدقاء ولنغادر عبارات السيادة والعبودية والتبعية.. قلت موافق ويشرفني ذلك، قال اما السببان فالاول هو اننا لا نركز على المفردات بقدر ما نركز على المعنى والنوايا... المعنى ان نلقي التحية على الاخر والنوايا ان نكون صادقين في تحيتنا.. فما الضير حين اتمنى لك مساءً سعيدا ما دمت صادقا في دعواي لا فرق في ذلك بين السلام عليكم او اسعدت مساءً او أي تحية اخرى، والسبب الثاني ان السلام غائب منذ زمن بعيد يا صديقي ربما حتى من قبل الطف.. السلام غائب في نفوسنا وذواتنا فكيف نهب الاخر ما لا نملك وعن نفسي فانا املك السلام والسعادة بيد اني اردت ان استفز دواخلك بالسؤال عن السلام.
قلت ما زلت متعبا انت كليلة امس، قال متعبا كمئات السنين، وليس من امس فقط يا صديقي. قلت لم؟ قال دعك مني الان وحدثني عن صديقك المليونير صاحب المؤوسسة الاعلامية الضخمة هناك؟ وقبل ان اقول له (تقصد فلان) لانه الوحيد الذي قفز الى ذهني قال نعم (فلان)، كم مبهر حواره فهو يقرأ افكاري قبل ان اترجمها الى حروف وكلمات. المهم انني قلت له ان صديقي المليونير من محبيك وزائريك دائما... هنا اجابني بحزم وقوة: هو ليس ممن يحبوني، فالحب في قاموسي موقف ومبدأ، تفاعل وشعور بالاخر واحساس بالوجع الذي يصيب الانسان. قلت وما الذي فعله؟ قلت ذلك وانا اتجاهل حقيقة اعرفها في داخلي.. حقيقة مرة لكنني اتغاضى عنها.. قال انت تعرف ماذا فعل.. حين ذهبت انت لتستقرض منه مبلغا تافها من اجل علاج ولدك المريض ماذا قال لك؟
قلت اعتذر لان امواله كلها في السوق وكان على عجلة من امره لانه ذاهب الى مرقدك في كربلاء للزيارة.. قال وهل زيارتي اهم من اغاثتك وانت ترى ولدك ينتظر على رصيف الشارع المحاذي للمستشفى ينتظر نقود الفحص والعلاج؟ صمت ولم انبس ببنت شفة.. قال انهم يقتلوني كل يوم.. كل يوم يذبحوني وانا بريء منهم.. دعني يا صديقي ان اغادرك الان وسنكمل غدا حديثنا عن الزائرين الكاذبين.
تصبح على خير... اجبته تصبح على حقل من الورد.. ابتسم وذهب شيئا من غضبه وقال تعجبني مفرداتك... قلت مستغربا مفرداتي فقط؟! قال ومعانيك ونواياك الصادقة... في الامان.
|