بين الحاكم والمحكوم ـ11ـ
تبدو خطورة الحزب الواحد في الانظمة الرئاسية التي تقوم على مبدأين اولهما الدور الكبير لرئيس الدولة وثانيهما تنظيم العمل السياسي في الدولة بأسلوب الحزب الواحد .فالهيكل الحقيقي للدولة اي (السلطة السياسة) يرتكز على هيكلين متوازيين ،الحزب والسلطة ويجلس الزعيم على قمة الهيكلين بأعتباره رئيسا للحزب ورئيسا للدولة.
ولما كانت مؤسسات الدولة في كافة مفاصلها تخضع بشكل او بآخر لاشراف وسيطرة (الحزب الواحد)كما ان قمة الهرم للسلطة بيد الزعيم لهذا فنظرية الحزب الواحد تؤدي بالنتيجة الى اختزال كل العمل السياسي والحكومي بأرادة واحدة- يد واحدة- تمسك الحزب وتتمتع بالسلطات الثلاث في الدولة.
ونظام الحزب الواحد يعتبر تجديدا سياسيا للعمل السياسي في ظل التجربة السوفيتية أبان القرن العشرين ،وقد اعتبرت التجربة السوفيتية ان الحزب الواحد يستحق العمل منفرداً كونه الحزب الطليعي للطبقة العاملة وكان من مبررات الحزب الواحد تتعلق بالتركيبة الطبقية ،ومكافحة الاستعمار والامبرالية وقطعاً سوف تكون العضوية في الحزب مرتفعة كونه وحيداً ينظم العمل السياسي ويسيطر على كافة مفاصل الدولة.
ولما كان دستور جمهورية العراق لعام 2005 قد اخذ باطلاق العمل السياسي وعدم تقييده .وبين في باب الحقوق والحريات (الباب الثاني) ما يتعلق بما يتوفر للمواطنين من حقوق .ولما كان العمل الحزبي يشكل ركيزة هامة من ركائز ممارسة الديمقراطية ،فلابد والحالة هذه من تنظيم عمل الاحزاب السياسية بما يمكنها من القيام  بواجباتها وبذأت الوقت تراقب الدولة كيفية ممارسة العمل السياسي بما لايخرج عن الاطار العام في تنمية العمل السياسي وترشح الديمقراطية والسمو بالمبادئ والاهداف الى استقرار مؤسسات الدولة وتطورها كان لابد ان تنظم ممارسة الاحزاب لعملها في العراق .
لقد اصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة الامر التشريعي 96 لسنة 2003 في 7/6/2004 (قانون الاحزاب والهيئات السياسية) وبذا يكون اول تشريع صدر بعد 9/4/2003 وقد جددالامر التشريعي بعض  الضوابط لمفهوم الحزب السياسي بغية المساهمة او الاشتراك في الانتخابات العامة .بعد ان سبق هذا الامر بالامر التشريعي  92 لسنة 2003 الذي استحدث المفوضية العليا المستقلة للانتخابات .
أن الغاية من تشريع الامر (يعتبر هذا الامر جزءا» من الاطار القانوني لانتخابات حقيقية وذات مصداقية تعكس بشكل منصف وفرة تنوع الفكر السياسي في العراق ..) ان التشريع حدد معنى كيان سياسي (اي منظمة ربما في ذلك اي حزب سياسي ، يتكون من ناخبين مؤهلين يتآزرون طواعية على اساس افكار او مصالح او اراء مشتركة بهدف التعبير عن مصالحهم ..)وان عبارة الكيان السياسي  تعني شخصاً واحداً بمفرده ينوي ترشيح نفسه لانتخابات في منصب عام على ان تضع المفوضية اللوائح التي تنظم منح وسحب المصادقة من الكيانات السياسية .
وفي المركز القانوني للكيان السياسي 
ان يتمتع الكيان السياسي (عدا الافراد) بصفة الكيان السياسي القائم امتلاك العقارات واستئجارها والحصول على حق شغل العقار كما يحق لها ابرام العقود واجراء المعاملات ، وتتمتع الكيانات السياسية بأي استحقاقات قانونية أو حماية اضافية تقدمها لها المفوضية وفي الشروط الواجب مراعاتها من قبل الكيانات السياسية 
• ان لاترتبط او تكون علاقة مع اية قوة مسلحة او ميليشا 
• لايجوز الحصول على اي تمويل مباشر او غير مباشر من اية قوة مسلحة او ميليشا او وحدة عسكرية متبقية .
• تلتزم بالقوانين والانظمة وعدم التحريض على الكراهية ودعم الارهاب او ممارسته .
• ان يكون لها نظاما داخليا يبين طريقة عملها بما في ذلك اختيار المرشحين المؤهلين 
• تعتبر المفوضية العليا المستقلة هي المرجع الذي يمسك هذه الكيانات ويصدر الانظمة واللوائح التي تعتبر ملزمة للكيانات السياسية ولما كان الامر التشريعي اعلاه قد صدر لتنظيم المصادقة على الكيانات التي تروم الدخول في الانتخابات العامة ،فان هناك كيانات سياسية لم تشترك بالانتخابات وان عملية المصادقة تعني الكيانات الراغبة بالانتخابات العامة دون ان ينظم بشكل كامل اسس واهداف الاحزاب والقوى السياسية ،كما ان الصياغة القانونية  للامر التشريعي لاتنسجم مع النظام القانوني العراقي طيلة الفترة التي صدرت فيها الوقائع العراقية (الجريدة الرسمية).
ركائز العملية السياسية /الديمقراطية 
ان ركائز العمل السياسي الذي يهدف الى بناء الديمقراطية الواقعية يستند الى اربعة ركائز اساسية وهي : 
1- الجهة التي تنظم الانتخابات ،هيئة وزارية او ادارية او استمرار المفوضية العليا مع اعادة تأهيلها من جديد بما يواكب حيادية واستغلالية المفوضية كما مر بنا في مثال سابق .
2- الاحزاب والقوى السياسية .فالانظمة الديمقراطية تؤمن بضرورة وجود احزاب سياسية تساهم في انضاج وترسيخ المبادىء الديمقراطية وان  ينظم عمل هذه الاحزاب قانون يبين طريقة تشكيلهاوالشروط الواجب توافرها وان تؤمن هذه القوى بالحوار وتقبل الاخر والايمان بعلوية وسمو القواعد الدستورية 
3- قوانين الانتخابات .وهذه القوانين تنظم طريقة انتخاب مجلس النواب ومجلس الاتحاد ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي وهذه القوانين يجب ان تاخذ بنظر الاعتبار الاهداف التي يسعى اليها المشرع الدستوري من خلال المباديء الدستورية الواردة في دستور جمهورية العراق لعام  2005 وان يكون الانتخاب محققا لعدالة التمثيل المناطقي والسكاني في كافة انواع المجالس المطلوب انتخابها لتحقيق الاهداف التي يسعى اليها الشعب كذلك سـلة من القوانين ذات العلاقة التي تفعل شفافية عمل الاحزاب 
4- الشعب/ بالتأكيد ان العملية السياسية اوالديمقراطية تستهدف الشعب (احد اهم ركائز الدولة) بالتالي العصر الحالي يوصف بانه عصر الديمقراطية ،فلابد من تنظيم الوسائل التي تمكن الشعب من ممارسة الديمقراطية 
5- جملة من العوامل والستلزمات الفنية التي تجعل من الديمقراطية شفافة سهلة 
تنظيم عمل الاحزاب والقوى السياسية 
ان تنظيم عمل الاحزاب والقوى السياسية يأتي بالمرتبة الاولى فهذه الاحزاب والقوى هي القوى (الحاكمة) بعبارة هي (السلطة السياسية)وهي التي تنظم عمل المفوضية العليا وتشرع قانون الانتخابات وتقنع الشعب ببرامجها التي تعلنها في الحملات الانتخابية فتنظم عمل الاحزاب السياسية بالقواعد القانونية يعني ان هذه الاحزاب تكون لديها القدرة من خلال (السلطة) ان تنظيم عمل الانتخابات وكذلك القوانين التي تجعل الديمقراطية متاحة للشعب (قوانين الانتخابات) كذلك لديها القدرة على محاكاة المحكومين بالطرق العديدة التي تمتلكها في مخاطبة (الناخبون)؛ وهذه الاحزاب هي التي سوف تقود الدولة بكافة مؤسساتها الامنية والانتخابية الادارية والقضائية فاذا كانت هذه القوة تعمل بدون ضوابط قانونية (قواعد قانونية) بالتالي فهي لن تستطيع أن تضبط الاخرين من ليست لديه القدرة على ضبط عمله لايستطيع ان يضبط الاخرين ولما كانت الاحزاب والقوى السياسية حتى اليوم تعمل وتنفذ الامر التشريعي رقم 97ر لسنة 2004 فأن الضرورة التنظيمية نقيض تشريع قانون الاحزاب .
القواعد القانونية الضرورية لتنظيم عمل الاحزاب 
أعتادت دول العالم على عدد قليل من ألأحزاب السياسية والتي تمارس العملية السياسية لكن العراق ربما نموذج لعمل حزبي  متعدد ومتنوع ومختلف الاتجاهات؛ احزاب عقائدية وأخرى سياسية وأخرى قومية وأخرى دينية ومذهبية وثالثة محلية ورابعة عالمية تخاطب جميع بني الانسان في الكرة الارضية. امام هذا التنوع والتصدر في الميول والاتجاهات  والعقائد. تنهض ضرورة التنظيم ووضع  الضوابط التي تنظم عمل الاحزاب بما يحدد الغرض والهدف في وقوف الاحزاب والقوى على خط شروع واحد عند ممارسة الديمقراطية. ولأن الممارسات في الدولة للفترة من 2003  لغاية 2011 اظهرت العديد من ألظواهر السلبية عند ممارسة الاحزاب للعمل السياسي. عندها تقتضي الضرورة ومقتضيات الدولة الدستورية – القانونية أن تبدأ بتنظيم القوى التي تحرك الدولة من خلال ممارسة (السلطة السياسية) وكافة مفاصل الدولة. القواعد القانونية- واجب السلطة التنفيذية والتشريعية ولكن هناك ضوابط يريدها الشعب. سواء أتخذت شكل منظمات مجتمع مدني وقوى سياسية مغامرة في تصرفاتها لتصرفات بعض الاحزاب. كما ان عين(الرقيب) عادة مانسجل ماترتأيه هذه الاحزاب. فأهم المبادىء التي يجب ان يتضمنها قانون الاحزاب والقوى السياسية هي :
1- ان يكون للحزب اسم يعرف به وشعار يختاره على ان يكون الحزب (الاسم) و (الشعار) لا يثير الكراهية او النفور او يؤكد على ماتعارف عليه الناس من ممارسات للأحزاب  السياسية 
2- ينظم عمل الحزب والقوى السياسية- نظام داخلي- يتضمن هيكلية الحزب والمكاتب والفروع التي سوف يقوم بتعيينها وان يعين النظام طريقة آختيار الامين العام او زعيم الحزب والهيئة القيادية التي يعمل معها وكيفية  أتخاذ القرارات. 
3- بالتأكيد ان الحزب السياسي او القوة السياسية تهدف الى شيء تريد تحقيقه  فما هي الاهداف التي يسعى الحزب الى تحقيقها. 
4- ان يكون هناك برنامج لتحقيق هذه الأهداف. 
5- مم تتكون موارد الحزب المالية- كيف ينظم الحزب اموره المالية وان يكون له حساب في احد المصارف الحكومية مراقب من قبل- جهات المراقبة في الدولة لكي تراقب حركة المال ومصادره. 
6- ان لايقل- كما نرى عدد اعضاء الحزب البالغين سن الرشد 18 سنة عن 1000 عضو؛ تنظم لهم ملفات كاملة تتضمن معلومات كاملة عن العضو مع المستمسكات الرسمية. والعضو لديه الامكانية في الاستمرار في العمل السياسي او الانسحاب في اي وقت يشاء.
7ـ ان لاتتخذ الاحزاب والقوى السياسية من المساجد والمراقد الدينية مقرات لممارسة العمل السياسي؛ لان  بيوت الله مهما تعددت اسماؤها متاحة للجميع- السياسي وغير السياسي؛ وعندما يتخذها هذا الحزب او ذلك مقرآ قد لاتتحقق رغبة المشاركة الجمعية في السيادة . 
8- ان تعمل هذه الاحزاب والقوى على تنمية الوعي السياسي لدى المواطن وان تسهم في انضاج الديمقراطية عبر المساهمة الشفافة في الانتخابات وعدم الاعتداء على حقوق الاخرين 
9- لاتمتلك هذه الاحزاب والقوى مليشيا أو تتعاون مع مليشيا .
10- ان تؤمن الاحزاب بالدستور والقوانين الوضعية وان يكون من مستلزمات ذلك الدولة المدنية بمغادرة الدولة الامنية ـ البوليسية. وان يكون ذلك منهاجا وبرنامجآ ينسجم مع تعزيز دور الدولة المدنية  وواجباتها في حفظ الامن والنظام وتحقيق العدالة وتحقيق اقصى قدر من الخدمات وصولآ الى رفاهية المواطن .
11- منع الحزب من ممارسة الاحتواء لمؤسسات الدولة. فالدولة ومؤسساتها- العسكرية والقضائية والتربوية- يجب ان تكون بمنآى عن التسييس- تمارس واجباتها طبقا لما يرد في الدستور والقوانين الوضعية. 
12- ان يؤمن بحق الاحزاب الاخرى في ممارسة العمل السياسي فالامر غير مقتصرعلى حزب دون آخر. كما  يلزم الحزب بأحترام – الرأي والرأي الآخر – فالديمقراطية لعبة تعدد الافكار. والدكتاتورية لعبة الفكر الواحد ؛ صدق من قال – انك في الجهاد تعمل مع من تحب وكذلك تعمل مع من تكره في الفكر على الأقل 
13- ان يكون الحزبي نموذجآ في عدم الاعتداء على الممتلكات العامة وعدم تسخير المال العام أو أجهزة الدولة عبر مفاصلها المتعددة والمتنوعة . فهذه المؤسسة (الدولة) للجميع ونتاج الجميع السياسيون وغير السياسيين . والمال العام أمانة في أعناق الجميع للحفاظ عليه وصيانته وأن لايتم التصرف فيه الا من بوابة التشريع الشفاف الذي يتيح لكل راغب الاطلاع عليه. فالمتحزب يجب ان يكون نموذجا» في حفظ المال العام. 
14- ان لايسمح قانون الاحزاب والقوى السياسية ـ لأي حزب او قوة سياسية ان تعمل دون الحصول على ترخيص من الجهة التي يحددها(القانون). 
15- ان يكون الهدف بناء دولة العراق- الديمقراطية – وان يؤمن بوسائل التطور والتكنلوجيا ويتعامل مع دول العالم من منطلق الاحترام  المتبادل للافكار التي يحملها الاخرون وان يكون رائد الجميع خدمة الانسان وتحقيق  طموحاته المشروعة- جهدا سياسيا دوليآ لخدمة الانسان الهدف والطموح. ظهرت الاحزاب في وقت متأخر لظهور الدولة- اتسمت بالفكر العقائدي الشمولي أول ظهورها وتبنت العديد من الحروب والدمار في العالم؛ لكنها انقرضت او تقلصت نتيجة لمغادرة الشعوب للفكر العقائدي الشمولي . فالحزب الواحد ظاهرة قاتلة سيطرت على الدولة بكافة مرافقها ويقوده الزعيم الذي يقود الدولة ايضآ وبنهاية الزعيم أنتهت اغلب الاحزاب العقائدية وظهرت الاحزاب السياسية . 
من نظرية الحزب الواحد الى نظرية الحزب القائد الى نظرية تعدد الاحزاب حقبة طويلة من الزمن جاهد فيها المفكرون والمصلحون رجال السياسة والقانون وعلماء الاجتماع السياسي في تهدئة الافكار الاحتوائية الى الافكار السياسية ومن رأي واحد الى متعدد الاراء تشذيب مثمر وجهد كبير يتطور ويتقدم مع تقدم الحضارة المدنية الديمقراطية.  كتب الفقهاء كثيرآ في سليبات العمل الحزبي يحمل فكرآ مزدوجا في بنائه فهو يحمل في طياته السلبيات في الممارسة وترويج افكار كثيرة وأماني اكثر قد لايستطيع الحزب تحقيقها كذلك يحمل فكرآ ايجابيآ في تنضيج وتطوير الوعي السياسي والاسهام في الدفاع عن الحرية والتقدم.
الاحزاب السياسية عادة مايكون هدفها الاستحواذ على (السلطة السياسية) ومن خلالها تنفيذ البرنامج الذي يريد اعضاؤه  تحقيقه. لكن عمل وضوابط هذه الاحزاب ضروريآ لضبط المفاصل الأخرى للعملية الديمقراطية . فالأحزاب ( القابضة على السلطة دائمآ) ان لم تكن  منظمة ومنضبطة بضوابط القواعد القانونية الوضعية؛ كيف تستطيع أن تضبط  ركائزالعمل الديمقراطي (جهة تنظيم الانتخابات وقوانين الانتخابات وغيرها) بل كيف تستطيع ضبط الدولة (السلطة السياسية) التي تقودها وكافة مرافق الدولة. فالبداية يجب ان تكون مع الاحزاب السياسية والقوى السياسية .لابد ان نسجل للمشرع – الدستوري والعادي – الاهتمام بالاحزاب السياسية وانها الهيئة التي تنكر الذات لكي تحمي ذات الاخرين في القانون العقابي(الجنائي) يفرق المشرع العادي بين الجريمة العادية والجريمة السياسية. ويعد المجرم السياسي مجرمآ شريفآ بالقياس الى المجرم العادي فالاخير يرتكب الذنب أو الجرم لمنفعته الشخصية اما السياسي فأنه يسعى الى عمل يفيد فيه المجتمع. لهذا كانت الجريمة شريفة لانها تستهدف مكافحة الظلم والطغيان الدكتاتوري والسعي الى  مجتمع ديمقراطي ينمو فيه الرأي والرأي الآخر .