قد خاب من ظن..

 

العراق مجتمع ساخن، ومصدر هذه السخونة فعلية احداثه ومتغيرات شؤونه واستجابة ابنائه. اما العامل المحدد في هذه الثلاثية من حيث النتائج او الغايات فهو من يتحمل مسؤولية ادارة هذا المجتمع العريق، فاذا تجلت الامور امامه كما يشاء ويرغب فقد تبدو المعالجات سريعة وحاسمة وسليمة، والعكس صحيح احيانا (لا قدر الله).
هنا يقف القلم ليتوثق مما يسيطر اولا ولما سيقول استطراد ثانيا، عراق اليوم يمر عبر طوق من الانفاق التي عمل الاعداء على رصفها على نحو ملتو او متعرج، مفتت او ممزق بهدف الانقضاض على الوطن بكليته وعلى اماله وانجازاته، صفقة واحدة. ولا عيب في الاعتراف بهذا الواقع الصعب ولكن العيب ان نسكت عن رفعة المعالجة وسمو الاحاطة بما يدور حول هذا الوطن وفي داخله معا باطار تأملات القيادة الحاكمة وصانعة القرار.
(النسغ النازل) هذا التعبير البيولوجي الرهيف يعمل الآن في الادارة والسياسة والاقتصاد والحرب والامن.(النسغ) الذي يقطر لوحة من المعالجات ازاء مشاكل قديمة ومستجدة على حد سواء او مسائل تقليدية او تعجيزية على الوجه الاخر من التشخيص. (النسغ) الذي احدث انقلابا في الرؤية العامة وانقلابية في الرؤية الخاصة. (نسغ) بحجم الرد الشامل والهجوم المضاد الذي اراه قلب كل طاولات الخصوم على ظهورها.. حتى اذا بلغ النسغ النازل هداه وانتشر في اوصال الحكومة- ان كانت وطنية- وهياكلها وقاعدتها وجماهيرها، سنجد كثيرا من الامور قد تغيرت نحو الاحسن وسنرى كثيرا من الاشياء قد عادت الى احسن مما كانت عليه – على الرغم من جيوب الفساد المنتشرة في مفاصلها- وسنجمع الفأل الحسن الى الاجراء الاحسن في العلاقات الافقية والرأسية في الحكومة والمجتمع والدولة تعاقبا ومن غير مداخلة وتواليا من غير ارباك. لاننا لا نرى الحكومة معزولة بروحها عن المجتمع، ولا نرى المجتمع معزولا بقيمه عن الدولة، ولا نرى الدولة معزولة باجراءاتها عن الاثنين معا، تلك هي بدهية من بدهيات الفكر السياسي في ادارة الدولة اي دولة.. 
قد خاب من ظن ان خيرا يأتي من وراء الحدود ، وقد خاب من ظن ان خيرا لا ينطلق من داخل الوطن، وان كان في جسم كاتب هذه السطور مرض مزمن، فأن في تمام عقله ما يقارع به عشرات الظواهر المنحرفة ومئات الاعداء الغادرين بقلم واحد وورقة بيضاء واحدة، انها اذاً، ليست تعبئة او اعادة تنظيم صفوف فحسب، بل هو هجوم مضاد وكاسح على مصدر التآمر على وحدة العراق ومستقبل العراق وماضي العراق. هجوم ابيض كنداء (الله واكبر) في اذان الصلاة وقرع النواقيس في كنائس الخشوع في يوم تصطف فيه المناكب لتعلن لمن شذ على الطريق او انهار رغما عنه او ابتعد طمعاً بعملة او ارتبط على امل كالسراب او هو السراب عينه حتى صار يعد الدقائق سنوات حنين للوطن ولا يستطيع البوح بذلك ويحسب السنتمترات فراسخا وهو على حافات الحدود قابع او في ضواحي عواصم اوربا لاجيء؟ 
الوطن.. هذا الوطن.. العظيم فتح الابواب ويفتحها.. فلم المجاوزة على حقوقه العامة والتاريخية والعالمية مقابل راحة خاصة اكثر ما اصفها انها تافهة، فوالله ان لقمة جافة مع الماء لتعدل عندي ملايين ملايين الاوراق التي تحمل صورة جورج واشنطن وانا اقاتل بلدي بكلمة واحدة فكيف بالمواجهة تحت علم اجنبي؟ ... ياللعار!!