دموع سماء العراق الغزيرة هطل المطر على بغداد

 

منذ أمس والمطر يهطل . مطر غير معهود أغرق الدروب والسبل، وعطل المدارس وإكتسح الأسواق وحاصر أحياء الاعلام والسيدية والعامل وحي الجامعة والعدل والحرية والاعظمية والداخلية والثورة والشعب والشالجية والراشدية والمعامل والبقية تأتي . لم تبق الا "المنطقة الخضراء" خضراء رغم أنها يابسة . كانت "الخضراء" ترفع ذيلها ساخرة من الغيوم المدلهمة هازئة من أحياء بغداد المبتلة، عصية على المياه الزاحفة. وهناك عقد " عكرمة بن أبي خويلد الأنصاري" مؤتمراً لعشائر بغداد جمع فيه بطون العرب وقبائلها ممثلة بزعماء بكر و تغلب وغطفان وعبس وذبيان وبدر ومضر وصدر التي قدمت حاملة إستغاثتها من مياه الأمطار التي حاصرت خيمها وأغرقت إبلها وأنعامها. أوصى "عكرمة" بأن لا يطأ أي صحفي أرض المؤتمر قبل أن يأذن هو شخصياً له ورأيت كيف تجمع جمع غفير منهم متوسلين السماح لهم بالدخول. ولأن عسس "عكرمة" وأفراد شرطته فسّاد على شاكلته، منحتُ رئيسهم ورقة مئة دولار ( لم يفطن الى أنها مزيفة) ودخلت بملابسي العربية مقدماً نفسي: "الحاج سلوان بن ضبع التغلبي " رئيس عشيرة تغلب. كتب رئيس التشريفات "ظبع " بدلاً من " ضبع" فرأيت أنها فرصتي لكي أثبت أن زعامتي للعشيرة لم تأت من فراغ فصححت متعمداً رفع صوتي الى أقصى حد: ضبع بأخت الصاد ! فأصيب رئيس التشريفات بالهلع وفتح الباب دون أن يدقق إسمي بالسجل فدلفت ورأيت القوم على كراسيهم صامتين واجمين وكأن على رؤوسهم الطير. صعد "عكرمة" المنبر وبعد أن حمد الله وأثنى عليه ولعن الشيطان وأنحى باللائمة عليه قال: "أنتم يامعشر العراقيين أتيتم من كل فج عميق لضيق بصدوركم، وجهل بعقولكم ، وقلة بإيمانكم ، الم تسألوا أنفسكم لماذا أمطرت السماء في هذه الأيام ؟ هذه هي دموع السماء على أبي عبد الله! مولانا الحسين صبر على العطش وأنتم لاتصبرون على الماء؟ الحسين شكى قلة الناصر والمعين وانتم لاطاقة لكم على رؤية دموع السماء الناصرة المعينة الشريفة التي تبكي عليه؟ السماء تبكي والدولة تمنحكم عطلة تستأنسون خلالها بأزواجكم وأولادكم وما أنتم براضين ؟ الى هذا الحد وصلنا ياشيعتي ؟ الى هذا الحد وصلنا ياملتي ؟ الى هذا الحد وصلنا يا أتباعي ؟ دع السماء تبكي على تلك المصيبة ، دع العالم يرى ، دع الدنيا تعي ، دع الطوفان يحل، دع السماء تبكي...... وما زال يكررها حتى خر مغشياً عليه فأصاب القبائل هلع عظيم وتدافع القوم زرافات ووحدانا خالعين قلنسواتهم وجلابيبهم ضاربين بمدسهم ونعلهم على رؤوسهم وصدورهم العارية. صدق "عكرمة بن أبي خويلد الأنصاري" ورب الكعبة ، ها هي السماء تبكي ، نعم تبكي ، هذا هو بكاء السماء على هذا الشعب العائد ركضاً الى دروب داحس والغبراء الشعب الغارق بالأوهام، السابح بالأوحال الشعب الذي يقتات على الخرافات صبحاً وعشية وبكرة وأصيلا... دع الأمطار تأتي والأعاصير تحل علها تحرك برك العقول الراكدة.