ولد الشاعر بدر شاكرالسياب بقرية جيكور\ 1926 جنوب شرق البصرة. درس الابتدائية في مدرسة في أبي الخصيب ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية وتخرج منها في\ 1938م. ثم أكمل الثانوية في البصرة عام 1943م. ثم انتقل إلى بغداد فدخل دار المعلمين العالية عام\ 1943 وتخرج \م، والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة تمكن من الإطلاع على الأدب الإنجليزي . في بغداد ومقاهيها حصل صداقة بعض من أدبائها وينشر له ناجي العبيدي قصيدة لبدر في جريدته الاتحاد هي أول قصيدة ينشرها بدر في حياته تكونت في دار المعلمين العالية في السنة الدراسية 1944-1945 جماعة أسمت نفسها أخوان عبقر كانت تقيم المواسم الشعرية حيث ظهرت مواهب الشعراء الشبان، ومن الطبيعي تطرق أولئك إلى أغراض الشعر بحرية وانطلاق، بعد أن وجدوا من عميد الدار الدكتور متى عقراوي، أول رئيس لجامعة بغداد ومن الأساتذة العراقيين والمصريين تشجيعا و السياب احد أعضاء الجماعة، وكذلك الشاعرة نازك الملائكة من أعضائها أيضا و من أعضائها شعراء آخرون منهم الأستاذ حازم سعيد من وأحمد الفخري وعاتكة وهبي الخزرجي وقد تعرف بدر على مقاهي بغداد الأدبية ومجالسها مثل مقهى الزهاوي ومقهى البلدية ومقهى البرازيلية وغيرها يرتادها مع مجموعة من الشعراء والذين اصبحو ا (رواد حركة الشعر الحر) مثل بلند الحيدري وعبد الرزاق عبد الواحد ورشيد ياسين وسليمان العيسى وعبد الوهاب البياتي وغيرهم ويلتقي امرأة يحبها وهي لا تبادله هذا الشعور فيكتب لها . (أبي.. منه جردتني النساء وأمي.. طواها الردى المعجل ومالي من الدهر إلا رضاك فرحماك فالدهر لا يعدل) وتزداد شهرة بدر الشاعر النحيل القادم من أقصى قـرى الجنوب، وكانت الفتيات يستعرن الدفتر الذي يضم أشعاره ليقرأنه، فكان يتمنى أن يكون هو الديوان (ديوان شعر ملؤه غزل بين العذارى بات ينتقل أنفاسي الحرى تهيم على صفحاته والحب والأمل وستلتقي أنفاسهن بها وترف في جنباته القبل) يقول محمود العبطة المحامي وكانت تربطني به علاقة صداقة حميمة عندما كان قاضيا في مدينتي بلدروز ( عندما أصدر الشاعر ديوانه الأول أزهار ذابلة في 1947 وصدره بقصيدة من الشعر العمودي مطلعها البيت المشهور. ويقول السياب : (يا ليتني أصبحت ديواني لأفر من صدر إلى ثان قد بت من حسد أقول له يا ليت من تهواك تهواني ألك الكؤوس ولى ثمالتها ولك الخلود وأنني فاني)
تم سجنه عام\ 1946 لفترة وجيزة أطلق سراحه ثم سجن مرة أخرى عام \1948 بعد صدور مجموعته الأولى أزهار ذابلة بمقدمة كتبها روفائيل بطي أحد رواد قصيدة النثر في العراق عن إحدى دور النشر المصرية عام 1947 تضمنت قصيدة( هل كان حبا) حاول فيها أن يقوم بتجربة جديدة في الوزن والقافية تجمع بين بحر من البحور ومجزوءاته أي أن التفاعيل ذات النوع الواحد يختلف عددها من بيت إلى آخر وقد كتب روفائيل بطي في مقدمته لديوانه ( فيها نجد الشاعر الطليق يحاول جديدا في إحدى قصائده فيأتي بالوزن المختلف وينوع في القافية، محاكيا الشعر الإفرنجي، فعسى أن يمعن في جرأته في هذا المسلك المجدد لعله يوفق إلى أثر في شعر اليوم، فالشكوى صارخة على أن الشعر الربي قد احتفظ بجموده في الطريقة مدة أطول مما كان ينتظر من النهضة الحديثة إن هذه الباكورة التي قدمها لنا صاحب الديوان تحدثنا عن موهبة فيه، وان كانت روعتها مخبوءة في اثر هذه البراعم - بحيث تضيق أبياته عن روحه المهتاجة وستكشف الأيام عن قوتها، ولا أريد أن أرسم منهجا مستقبلا لهذه القريحة الأصيلة تتفجر وتفيض من غير أن تخضع لحدود والقيود، ولكن سير الشعراء تعلمنا أن ذوي المواهب الناجحين، هم الذين تعبوا كثيرا، وعالجوا نفوسهم بأقصى الجهد، وكافحوا كفاح الأبطال، حتى بلغوا مرتبة الخلود ) ويتخرج السياب ويعين مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية في مدينة الرمادي التي تبعد عن بغداد تسعين كيلومترا غربا، تقع على نهر الفرات. وظل يرسل منها قصائده إلى الصحف البغدادية تباعا، وفى عام\ 1949 ألقي عليه القـبض في جيكور و سجن في بغداد واستغني عن خدماته في وزارة المعارف رسميا في 1949 وافرج عنه بكفالة بعد بضعة أسابيع ومنع إداريا من التدريس لمدة عشر سنوات،
عاد إلى قريته يرجو شيئا من الراحة بعد المعاملة القاسية التي لقيها في السجن ثم توجه إلى البصرة ليعمل (ذواقة) للتمر في شركة التمور العراقية، ثم كاتبا في شركة نفط البصرة، وفى هذه الأيام ذاق مرارة الفقر والظلم والشقاء ولم ينشر شعرا قط، ليعود إلى بغداد يكابد البطالة يجتر نهاراته في مقهى حسن عجمي يتلقى المعونة من أصحابه اكرم الوتري ومحي الدين إسماعيل وخالد الشواف، عمل بعدها مأمورا في مخزن لإحدى شركات تعبيد الطرق .
نشر له الخاقاني مجموعته الثانية (أساطير) بتشجيع من صديقه أكرم الوتري مما أعاد إلى روحه هناءتها وأملها بالحياة، وقـد تصدرتها مقدمة لبدر أوضح فيها مفهومه للشعر الجديد الذي يبشر به ويبدأ بدر بكتابة المطولات الشعرية مثل أجنحة السلام واللعنات وحفـار القـبور والمومس العمياء وغيرها ويضطرب الوضع السياسي في بغداد عام 1952 ويخشى بدر أن تطاله حملة الاعتقالات فيهرب متخفيا إلى إيران ومنها إلى الكويت بجواز سفر إيراني مزور باسم (على آرتنك) على ظهر سفينة شراعية انطلقت من عبادان\ 1953، كتب عنها فيما بعد قصيدة اسمها ( فرار 1953)
اتسم شعره في الفترة الأولى بالرومانسية وبدا تأثره بجيل علي محمود طه من خلال تشكيل القصيد العمودي وتنويع القافية ومنذ 1947 انساق وراء السياسة وبدا ذلك واضحا في ديوانه أعاصير الذي حافظ فيه السياب على الشكل العمودي وبدأ فيه اهتمامه بقضايا الإنسانية وقد تواصل هذا النفس مع مزجه يثقافته الإنجليزية متأثرا الشاعر الانكليزي (إليوت) في أزهار وأساطير وظهرت محاولاته الأولى في الشعر الحر وقد ذهبت فئة من النقاد إلى أن قصيدته (هل كان حبا) هي أول نص في الشكل الجديد للشعر العربي وما زال الجدل قائما حتى الآن في خصوص الريادة بينه وبين نازك الملائكة والبياتي في العراق ،
وفي أول الخمسينات كتب السياب كل شعره بهذا النمط الجديد واتخذ المطولات الشعرية وسيلة للكتابة فكانت (الأسلحة والأطفال) نشر السياب ديوانه (أنشودة المطر) في بداية الستينات
توفي الشاعر بدر شاكرالسياب في الكويت في يوم 24 من شهر كانون الاول من عام 1964، عن 38 عام ونقل جثمانه إلى قضاء البصرة ودفن في مقبرة الحسن البصري في مدينةالزبير.
ومن شعره الغزلي يقول:
والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة فوق الشفاه وللمساء عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه في الجيد والفم والذراع فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع في أرجوان الشاطئ النائي وأوغل في مداه شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء دوما إلى غير انتهاء
.********
يا همسة فوق الشفاة ذابت فكانت شبه آه يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء غرقي إلى غير انتهاء مثل النجوم الآفلات لا لن تراني لن أعود هيهات لكن الوعود تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !
***************
هذا هواليوم الاخير ؟! واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟ هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء ! ليت الكواكب لا تسير والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق! خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق
********************.
يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون عنا فماذا يصنعون لو أنني حان اللقاء فاقتادني نجم المساء في غمرة لا أستفيق ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!
****************** .ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين أني أحسّك تهمسين في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء ليل ونافذة تضاء تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع في ظلمة الليل العميق ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع وأظل وحدي في الطريق ************* ويقول ايضا
و غدا سألقاها سأشدها شدا فتهمس بي رحماك ثم تقول عيناها مزق نهودي ضم أواها ردفي واطو برعشة اللهب ظهري كأن جزيرة العرب تسري عليه بطيب رياها و يموج تحت يدي و يرتجف بين التمنع و الرضا ردف و تشب عند مفارق الشعر نار تدغدغها هو السعف من قريتي رعشت لدى النهر خوصاته و تلين لا تدري أيان تنقذف و يهيم ثغري و هو منخطف أعمى تلمس دربه يقف و يجس نهداها يتراعشان جوانب الظهر تصطك سوف تبل بالقطر سأذوب فيها حين ألقاها
************
ويقول في قصيدة اخرى:
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك لينسى لديك بعض اكتئابه قربي مقلتيك من وجهه الذاوي تري في الشحوب سر انتحابه و انظري في غصونه صرخة اليأس أشباح غابر من شبابه : لهفة تسرق الخطى بين جفنيه و حلم يموت في أهدابه
***********
و اسمعيه إذا اشتكى ساعة البين و خاف الرحيل- يقوم اللقاء و احجبي ناظريه, في صدرك المعطار وعن ذاك الرصيف المضاء عن شراع يراه في الوهم ينساب وموج يحسه في المساء : الوداع الحزين!! شذى ذراعيك عليه على الأسى والشقاء
*****************
حدثي حديثه عن ذلك الكوخ وراء النخيل بين الروابي حلم أيامه الطوال الكئيبات فلا تحرميه حلم الشباب أوهميه بأنه سوف يلقاك على النهر تحت ستر الضباب وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ وإن كان كله من سراب
**********************
كلما ضج شاكيا في ذراعيك انتهاء الهوى صرخت انتهارا فارتمي أين يرتمي صدره الجـ ـاش حزناً وحيرة وانتظارا ؟ اغضبي وادفعيه عن صدرك القاسي وأرخي على هواه الستارا أوصدي الباب خلفه.. واتركيه مثلما كان.. للدجى والصحارى !
فالح نصيف الحجية العراق- ديالى - بلدروز
|