جملة لا تكاد تسقط من فم جدتي نعَيمة رحمها الله. فهي تستخدمها عند كل معضلة لا تجد لها حلاً، فتضطر لتأجيلها بعبارة "حبّوبة نام هسه والصباح رباح".
الصباح رباح كانت بمثابة قرص بيثادين نتعاطاه لننام براحة وسكينة، دون التفكير بالمشكلة، فبمجرد ان تقولها نعَيمة نجد نفوسنا قد هدأت وخلدنا الى النوم.
كنا ننام آملين بالصباح ان يأتي ليحل مشاكلنا آنذاك.
اتذكر اني بكيت في يوم من الأيام لأني لم اكن مستعداً لخوض امتحان الجغرافية ولم يبق من الليل ما يسعفني للتحضير.
فولجت حجرة جدتي نعَيمة شاكياً من ضيق صدري وقلة حيلتي، فما كان منها الا ان وضعت رأسي في حجرها وبدأت تفلّي رأسي بأصابعها السحرية وهي تقول: نام يا حبوبة هسه، والله كريم، الصباح رباح.
وفي الصباح فعلاً جاء الفرج حيث تم تأجيل الامتحان لغياب الكثير من التلاميذ بسبب المطر الغزير.
وبكيت مرة لأن امي رفضت ان تشتري لي موطا في الشتاء، فأخذتني جدتي الى حجرتها واخرجت من خزانتها صرة فتحتها لتخرج منها علكة ماء. ناولتني العلكة وقالت: حبوبة هاك هذا العلچ هسه ومن تخلصه اشتريلك موطا، فبقيت اعلك حتى ادركني النعاس ونمت على حجرها كالعادة.
الله يرحمها نعّومة "كما كنا ندلّعها" كانت سيدةً حكيمة تعرف كيف تستخدم انصاف الحلول لإرضائنا وايهامنا بأن مشاكلنا حلت.
انصاف الحلول هذه تعد وصفة سحرية لتمشية الأمور ليس عند جدتي فحسب، بل حتى الحكومات تضطر احياناً لاستحداث هكذا حلول لإرضاء شعوبها وحل مشاكلهم.
غير ان هذا النوع من الحلول لا يكون ناجعاً على الدوام، سيما في المشاكل السياسية المعقدة والتي تحتاج عملية استئصال متقن وسريع.
هنالك عقد لا ينفع معها التأجيل، ولا يحلّها قول نعّومة "الصباح رباح"، فامور الدولة ومشاكلها لابد ان تدار من قبل جرّاح بارع، يمسك المبضع بجرأة، ويستأصل كل ورم خبيث يجده بطريقه.
الملفات التي اكلها التراب على رفوف الحكومة والبرلمان، لابد ان تفتح وتراجع من قبل ذوي الخبرة والكفاءة، ولابد ان تحل بالتي هي انجع، فبقاء هكذا ملفات دون دراسة وجهد لحلها يجعلها بمثابة القنابل الموقوتة التي تهدد النظام السياسي برمته.
فملف كركوك مثلا، والذي يتم تدويره وتأجيله من دورة انتخابية الى اخرى، هذا الملف وحده كفيل بنسف العملية السياسية وتمزيق البلاد اذا ما بقي دون حل جذري.
هذا بالأضافة الى ملفات اخرى صنعت منها المماطلة والتسويف مشاكل مستعصية. كملف توزيع الثروات، واستخراج وتصدير النفط، وملف الفيدرالية، والتعديلات الدستورية، الى اخره من مشاكل ما كان لها ان تصبح معضلات حقيقية، لولا التعاطي معها بانصاف الحلول وارباعها.
ادارة الدولة وقضاياها لا ينفع معها التأجيل والتدوير واشباه الحلول, بل من العيب ان تدار بحكمة "حبّوبة نام هسه والله كريم, الصباح رباح"!