قضيت معظم عمري , أنا ابن كربلاء, أقرأ و أسمع عن الحسين حتى أصبح يمثّل كل ما أعرف عن الخير و الشجاعة و حب الحرية. و لم يمض يوم من حياتي إلّا و تمنيت فيه أن أعيش عيشة الحسين و أتبّع كل خطاه. و لكنّي لم أجد في كل تاريخ الحسين, أو في مذهب علي ابن أبي طالب, ما يدل على أنهم ذلّوا أو استكانوا. لم يضرب الإمام علي رأسه بالسيف و لم يلطم الحسن و لم يستعمل الحسين "الزنجيل". لقد قُتل الإمام علي لأنه أراد العدل و قُتل الحسن لأنه رفض السلطة المطلقة و قُتل الحسين لأنه قال " لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل, و لا أقر إقرار العبيد". هذه صرخة الحرية التي أنارت الدرب لكل الثورات في تاريخ الإسلام. هذه صرخة الحرية التي حفظناها و لم نطبّقها. فبدلاً من الـ"لا" التي قالها الحسين أصبحنا نغني مع كل ناعق و نصرخ بكل حناجرنا "نعم, نعم, نعم للقائد....." كل قائد, أي قائد. رفضنا العدل و قبلنا السلطة المطلقة. و كل ما نعرفه من تراثنا هو أن ندمي أجسادنا بأيدينا ثم نعود لننام على الظلم كالأغنام. كم كان يحز في نفسي أن أرى مئات الآلاف من الشباب الغاضب يضربون صدورهم بحرقة و بغضب و بعدها يعودون في نفس الليلة ليلتحقوا بجيش صدام, ثم يُقتل الكثير منهم في الحروب العبثية التي أشعلها الطاغية. ألم يكن من الأفضل أن يفجّروا ذلك الغضب الجامح, غضب الحسين و حرقة الحسين, على ظالمهم بدلاً من أجسادهم؟ اليوم أنا أعرف أنني يجب أن أبكي على الحسين, ليس لأن الحسين قد قُتل, فالحسين حقَق ما أراد من ثورته, و لكن لأننا تركنا الإرث القديم, إرث الحرية و رفض الظلم, و مسحنا بأيدينا تراث الحسين . ليس غريباً على التكفيري أن يشَوّه الإسلام ليس غريباً على التكفيري أن يقتل الأبرياء ليس غريباً على التكفيري أن يسرق من أموال الناس و حتى من بيت الله الحرام ليس غريباً على التكفيري أن يطعن برسول الله (ص) و أن يتهمه زوراً و بهتاناً ليس غريباً على التكفيري أن يحاول تدمير تراث أهل البيت ولكن هل من حقّنا نحن أن نشوّه ديننا؟ هل من حقنا أن نُحرّف معنى الحسين؟ نحن, ورثة أهل البيت و حاملي رايتهم, كيف لنا أن نرمي إرثهم خلف ظهورنا و نتّمسك بقشور لا نعرف مصدرها؟ نحن, بقايا السيف ,و ساكني السجون ,و حصيد الأحزمة الناسفة و السيارات المفخخة, هل من المعقول أن ننسى تاريخنا؟ نحن, أبناء المقابر الجماعية , و الذين لم تخل بقعة من بقاع العراق من عظام أهلنا و إخواننا, هل من المعقول أن نترك القتلة والانتحاريين و "الصكّاكة" والخاطفين و المجرمين و الفاسدين والكاذبين يحكمون بلادنا ثم نذهب لنلطم صدورنا على الحسين كأن شيئاً لم يكن؟ نحن, المعارضون دائماً و الرافضون لكل ظلم ,هل من المعقول أن ننسى "لا" الحسين و أن نتّبع من أصبحوا حاكمين بأمرهم و ظالمين بدورهم؟ نحن, الفقراء حالاً و الأغنياء نفساً, هل من المعقول أن نساند من صاروا مأجورين للفساد و طغاةً على من هم أقل حظاً منهم؟ لقد تغيّر حكّامنا و لكن الأفعال لم تتغيّر. بدلاً من يتّخذوا موقف الحسين جلسوا مجلس الحجّاج. و بدلاً من أن يتبعوا رسالة النبي محمد (ص) حصّنوا أنفسهم في القصور و أحاطوا بيوتهم, وقلوبهم, بالأسلاك الشائكة وتركوا باب العراق مفتوحاً للقتل و الفساد. سلام الله عليك يا أبا عبد الله. القلوب معك, ولكن السيوف و الأفعال ما زالت مع أعدائك.
|