قلوبهم معك ....وسيوفهم عليك

 

 
قد أصاب الفرزدق كبد الحقيقة حين بادره شهيدُ العبرات الحسين ( عليه السلام ) كيف تركت أهل العراق ? فأجاب وأوجز في رده فأبلغ في وصفه قائلاً : والله يا ابن بنت رسول الله قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
وما أبتغي في هذا المقام تأليب المواجع ونفض الغبار عن أوراق التاريخ ولكن استخلاص الدروس والعبر، خاصة وأن حال العراق ما أشبهه بحال الحسين (عليه السلام) فقد تحولت كل مدينة وقرية إلى طف وما أكثر الطفوف وأصبح شعار حُب الحسين هو الوسيلة الأسرع لبلوغ المناصب على إختلاف مشاربها ضاربين عرض الحائط القيم المثلى والأهداف السامية التي إنتفض لأجلها السبط الشهيد ليسطر أروع ملحمة في التضحية من أجل أهدافٍ ساميةٍ حتى يرث الله الأرض ومن عليها ليكون بضعة البتول (عليهم السلام) مدرسة ً متكاملة ً .
 في هذه الأيام المباركة التي نحيي فيها ذكرى مصابه الجلل لابد وأن نمعن النظر جليا ً في القيم التي غرستها فينا ثورة الحسين خاصة وقد أوغلت الأحزاب في تشرذم أهل العراق وتكريس التخندق الطائفي وتمزيق عُرى النسيج الإجتماعي لا لشيء سوى لضمان ديمومتها في السلطة واستمرار عمليات القتل المُمنهج لشعب العراق المبتلى ، ومن يُتابع الأحداث السياسية في العراق يرى أن وتيرة القتل والتفجير تستشري كما النار في الهشيم  مع كل خلاف أو إختلاف بين الكتل السياسية ، فدوامة العنف المستمر تعني استمرار الساسة المفسدون بكنز الملايين بل المليارات وشراء العقارات في شتى أصقاع الأرض وواقع الحال يشهد أن الكثير من ساسة البلد يُعدون اليوم الأكثر ثراءً في العالم فهل سنستمر بجلد أنفسنا وتطبير رؤوسنا وضرب صدورنا على مصاب الحسين وأهل بيته الأطهار (روحي لهم الفدى) أم نستلهم الدروس لنكون أمتدادا ًلتلك الثورة المباركة التي لن نسمح أن يستثمرها المفسدون أدعياء حُب الحسين زورا ً وبهتانا لتحقيق مآرب دنيوية ومنافع شخصية ليجعلوا من تلك التضحيات الجسام قنطرة للتربح والمتاجرة بأرواح وأموال أهل العراق ؟
 بارقة أمل إستلهمها شباب محافظة (المثنى) السماوة الذين أطلقوا على أنفسهم (شباب الُحسين الثائر) حين قطعوا عهدا ً على أنفسهم أن يستثمروا إحياء ذكرى استشهاد الحسين ليبقى عاشوراء الثورة التحررية من عبودية الظالمين والصرخة المدوية في وجه كل طواغيت الأرض وليبقى عاشوراء الحسين منطلق لتصحيح الأعمال والأفكار  بالمُضي على نهجه حيث شرع شباب الحسين الثائر بتأليف الشعارات(دستات) التي تترجم واقع الحال المُزري الذي آل إليه البلد وتفضح الفساد المستشري في العراق وأعلنوها بكلمات تختزل عمق المعاناة وهم يهتفون : أحزاب سياسية ...إرهاب وحرامية ...لا تمثل مذهب لا دين...ما تمثل حيدر ...اللهُ أكبر الله أكبر.... والله احتارت هاي الناس من الحكمونة .... نصهم يدعم بالإرهاب ونصهم باكونة ....وغيرها الكثير من الشعارات التي لم يسعفني الحظ بحفظها، في ظل ميزانيات هي الأضخم في تأريخ العراق علما أن مجموعها يبلغ 538 مليار دولار لو وزعت على أفراد الشعب العراقي البالغ تعدادهم 30 مليون نسمة لكان نصيب الفرد العراقي الواحد أكثر من 17 مليون دولار ورغم ذلك فإن نسبة الفقر في السماوة 52% وفي الديوانية 42% أما في السليمانية 2% وفيما يخص نسب البطالة فتعد الناصرية هي الأعلى حيث تبلغ 40% ثم العمارة والبصرة والموصل وكذا الحال فيما يتعلق بنسبة الأمية التي كان قد قضى عليها العراق في ما سبق ومن أراد الإطلاع على النسب بكل تفاصيلها فليرجع إلى إحصائيات وزارة التخطيط   .
  وتبقى في الصدر غصة بمصاب جدنا الحسين وأبيه وأخيه أمراء المؤمنين (عليهم السلام) ، وأنا أستذكر السيرة العطرة لأؤلئك الرجال العظام استوقفتني مواقف عدة وتساؤلات شتى من بينها هو ما سر إقدام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بنقل عاصمة الخلافة الراشدة من مدينة رسول الله إلى ارض العراق ؟؟
 ما هي مستجدات الأمور التي آلت بأمير المومنين الحسن بن علي (عليه السلام) إلى اختياره للصلح ؟؟
 ما سبب إصرار أبينا الحسين (عليه السلام )على التوجه إلى ارض العراق رغم تحذير أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) حتى قال عبد الله بن عمر لله درك من شهيد . وقال بن عباس من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى الحسين .؟؟
 وبعد هذه التساؤلات المقتضبة تعالوا نحط الرحال بين يدي أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) ونستعرض نعته لنا نحن أهل العراق عسى أن تجعلنا هذه الكلمات أن نراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا لعلنا نتدارك وضعنا !!!
يقول أمير المؤمنين علي (عليهم السلام) : من فاز بكم فقد فاز بالسهم الأخيب ...!!! وقال : أرضيتم بالحياة الدنيا عوضاً وبالذل من العز خلفاً...!!! والى ريحانة رسول الله الحسن (عليه السلام )القائل والله : لو قاتلت خصمي لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً . والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ويّمـُنّ ُ عليّ فيكون سبة علي بني هاشم آخر الدهر...!!!
 والى السبط الشهيد الحسين (عليه السلام )القائل : استصرختمونا والهين فأتينا موجفين فشحذتم علينا سيفاً كان في أيماننا ، وحششتم علينا ناراً نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا !!! 
وبعد سردنا لهذا النزر اليسير يُسعفنا قول الفيلسوف الألماني (كانت) الذي يقول : إن مسرحية الحياة الدنيا لم تكتمل بعد , ولا بد من مشهد ثان لأننا هنا نرى ظالماً ومظلوماً ولم نجد الأنصاف ...وغالباً ومغلوباً ولم نجد الانتقام ...فلابد إذن من عالم آخر يتم فيه العدل.
 وإزاء ما تقدم تحضُرني هذه الحادثة , ففي موقعة أحُد حين نادى المنادي :  أن رسول الله قد قتل فكّبّر الصحابة وهتفوا : إن كان رسول الله قد قتل فموتوا على ما مات عليه رسول الله ، أما كان حريٌ بنا أن نتأسى بموقف الصحابة الكرام ونُعلنُها صرخة ً مدوية فلنحيا ونموت على مامات عليه سادات المؤمنين علي والحسن والحسين , خاصة حين يبرز لنا الموقف النقيض والفراسة التي تحلى بها الحجاج حينما إنتدُب للعراق . وسُئل ما تحتاج لأستتباب الأمور في العراق ؟؟؟ 
قال : قليل من الجُند وكثيرٌ من المال  ؟؟؟