اغتيال الشيخ ''غية''... استهداف لخط المقاومة...!

 

 

 

 

 

 

حتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال، فخلايا تنظيم القاعدة بات بعضها ينام على وسائدنا، ليس في لبنان وحدها فحسب، بل في معظم حواضر العرب يشيع فكرها ويتكاثر أتباعها وتنفجر أحزمتها الناسفة وعرباتها المفخخة بعبوات نوعية ازدادت أوزانها حتى صارت تحسب بالأطنان وتطورت موادها المتفجرة حتى صارت تكفي لحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح وأوسع خارطة ممكنة من الدمار والخراب... 

 

ولى الزمن الذي كانت فيه القاعدة مشروعاً إسلاموياً لتحرير أفغانستان من سطوة الجيش الأحمر الشيوعي، كما ولى الزمن الذي شقت فيه القاعدة عصا الطاعة على ضباط استخبارات البنتاغون الأميركي حينما ضربت من تحت أنوفهم مركز التجارة العالمي في نيويورك فيما عرف بغزوة مانهاتن في ذلك الأيلول الشهير من مطلع هذا القرن وجاء الزمن الذي صارت فيه القاعدة مشروعاً لافتتاح عصر الانهيار العربي الأخير!‏ 

 

اليوم، لا شيء أخطر على الأمة من التكفير، لا لأنه يحجبها عن الفضيلة فقط، بل لأنه لا يترك فيها خيراً إلا ويئده، ولا علماً إلا ويدفنه، ولا نوراً إلا ويطفئه، ولا صرحاً إلا ويهدمه، ولا عزاً إلا ويبدده، ولا إيماناً إلا ويستبدله بالشعوذة والخرافة والتجرؤ على الله. 

فهو أشبه بالورم الخبيث الذي يصيب الجسد السليم فيحوله إلى هيكل عظمي لا حول له ولا قوة، وللأسف الشديد أصبح انتشار هذا الوباء في جسد الأمة العربية والإسلامية ظاهرة خطيرة تبعث على القلق والخوف خاصة مع اضمحلال عوامل المناعة، وتكاثر الأوبئة الأخرى التي تشكل بيئة ملائمة لنمو واستفحال هذا المرض الخطير المهدد لقداسة الإسلام وهوية الأمة التي لم تكن في يوم من الأيام بمثل الحالة التي تعيشها الآن بسبب الطغيان الذي يمارسه عليها أعداؤها، والفساد المستشري في مفاصلها وعروقها وشرايينها نتيجة تحكّم جهلائها وفسقتها بموارد رزقها ومقدراتها وسيطرتهم على مقاليد الحكم في معظم دولها وأرجائها.

وبروز فئة من المهزومين والموتورين والعملاء تشرّع بإسم الدين كلّ ما يخالف الشرع الإسلامي، وتحلل ما حرّم الله، وتحرّم ما حلل مستندة في غيّها وضلالها إلى دعم الاستعمار الجديد وأذنابه وعملائه وإلى جهل نسبةٍ كبيرة من أبناء هذه الأمة بجوهر الدين وحقيقة المعتقد وأصول الشرع وفلسفة التوحيد والمعاني السامية للفقه والمعرفة الإلهية.

بمقتل الشيخ اللبناني سعد الدين غيّه، يستمر التكفيريون في غيهم وفي مشروعهم الطامح إلى إلغاء العقل والفكر والانتماء الوطني والقومي، من أجل ثبات انسجامهم مع الاتجاهات الرجعية والصهيونية والمذهبية والفاشية... والمجاهد والمقاوم فضيلة الشيخ سعد الدين غية الذي اغتيل برصاص حاقد وغاشم في مدينة طرابلس فقضى شهيداً، كان قد تعرض سابقاً لمحاولات اغتيال فاشلة.‏ واليد المجرمة التي اغتالته هدفها اغتيال الشرفاء في طرابلس وإشعال فتنة مذهبية بين أبناء المنطقة الواحدة.‏

وقد أدان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اغتيال الشيخ سعد الدين غية عضو قيادة جبهة العمل الإسلامي في طرابلس، واصفاً هذا الاغتيال بأنه استهداف لخط المقاومة.‏ وقال نصر الله في المجلس العاشورائي المركزي في حارة حريك ببيروت: 

إن اغتيال الشيخ سعد الدين غية هو استهداف لخط المقاومة: لكل فكر وحدوي وتقريبي بين المسلمين... لكل موقع وطني حريص على العيش المشترك بين اللبنانيين... واستهداف لكل من لديه عقل ينظم الأولويات بطريقة مختلفة عن بعض الجهات التكفيرية والتقتيلية في المنطقة... وهذا استهداف لكل من يملك شجاعة أن يعبر عن موقفه المختلف مع اتجاهات التكفير والقتل في لبنان وفي المنطقة.‏ 

ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أن هذا الاغتيال مؤشر ودليل على مسار خطر بدأت تأخذه الأحداث في طرابلس خصوصاً ولبنان عموماً ويجب التحذير منه وتداركه والتوقف عنده طويلا وملياً وقال: هناك خشية من أن يؤسس لاتجاهات معينة على مستوى الوضع الداخلي اللبناني.‏ 

والشيخ سعد الدين غية محسوب على قوى الممانعة، تلك ليست طريقة إسلامية، إنها مشروع كبير يمر في عواصم، وقبلها يتوحد في قلوب ويتخذ من عقول نيرة مسرحاً له. فالتكفيريون القتلة هم في الحقيقة جزء من المشروع الممانع الذي لا يرضي هذه الدولة أو تلك، كما يقف حائلا أمام أصحاب القيم المذهبية التي يتحركون بموجبها، يكبرون ويستأسدون على منابرهم ومن خلال مواقعهم، يتحولون إلى جرذان عندما يخرجون من جحورهم.

وهذه الفئة المتطرفة التي لا تمتلك الحدّ الأدنى من القيم والأخلاق ولا يربطها بالعروبة والإسلام أي رابط، اختارت الإرهاب والجريمة طريقاً لتحقيق مآربها، والكذب والنفاق سلوكاً تخدع به الناس وتحرفهم عن صراط الحق وطريق الصواب متخذة من الخرافة والشعوذة والزندقة منهجاً لتوسيع دائرة وجودها ونفوذها بين المغيبين عن نور المعرفة، والمبعدين عن جنة العلم، والغارقين في مستنقع الأوهام وبحر الظلام مستغلة صدأ عقولهم، وهيجان غرائزهم، وسورة نزواتهم وشهواتهم، وترهّل إراداتهم، وهجرة ضمائرهم، وخواء نفوسهم وقلوبهم من الرحمة والحبّ والإيمان، دافعةً إياهم إلى ارتكاب المعاصي ومخالفة المولى عزّ وجل والتنكر لإنسانيتهم بعد أن أسدلت على أبصارهم وبصائرهم ستاراً من الخداع والمكر والزور والبهتان. 

ولا أعتقد أن هناك من حاجة للبرهان على ذلك، فيد الإجرام امتدت لاغتيال الشيخ سعد الدين غية،  لتؤكد هذه العملية الجبانة من جديد بأن الأيدي الآثمة المجرمة التي تريد استهداف علماء الصحوة الإسلامية هدفها النيل من لبنان وزعزعة استقراره خدمة للمشروع الغربي الذي يطول أمن لبنان وقيمه العربية والإسلامية.‏ 

باغتيال الشيخ ''سعد الدين غية'' عضو جبهة العمل الإسلامي في لبنان، لا ينتهي عصر الاغتيالات في لبنان، إذ لا مسافة بين أي صاحب فكر ودين، ورأي حر، وبين سكاكين القتلة...‏ فنحن في زمن الاغتيالات للفكر، ولأصحاب الفكر..‏. ويبدو أن الفكر الحر النيّر في الدين، والسياسة، وفي الحياة، أشد خطراً على الظلاميين، والتكفيريين القتلة من خطر السلاح، وفي كل منهما خطر، لأن أصحاب الفكر المستنير، تاريخياً، شكلوا على امتداد التاريخ مصابيح الضوء الذي يمزق عتمة الجهل، والضلال، الديني، والسياسي، والأخلاقي...‏ 

الإرهابيون لا يؤمنون بالأديان، ولا بالإنسان، ولا بالأوطان...‏ لا ينظرون إلى الحياة بوهجها الإنساني، والحضاري، والأخلاقي، والوطني، فالدم يلون طريقهم إلى عالم مملوء بالشهوات الأبدية...‏ فالإسلام عندهم فراش، ونساء، الإسلام عندهم لا يقدّم حلولاً لقضايا الحياة: الفساد، الفقر، التعليم، الأمية، البطالة، الفوضى، التفاعل الاجتماعي، الإنساني، ولا لقضايا الأوطان، و القدس، والأقصى، والكرامة العربية..‏. فالإسلام عندهم يقدم حلولاً للشهوات الجسدية: ثمة نساء، وخمر، وأنهار من لبن، وعسل، وفواكه من كل الثمرات.‏ 

الإرهابيون لا ينظرون إلى قضايا العالم العربي، هناك استهتار بهذه القضايا، وهذا نتاج لمخطط مدروس وممنهج تقوده الاستخبارات الصهيونية والأمريكية..‏ 

ماذا يستطيع أي إسرائيلي أن يقدم للكيان الصهيوني أكثر مما يقدمه هؤلاء الإرهابيون وهم يدمرون لبنان ويزرعون الفتن بين الطوائف ويحاولون زلزلة خنادق العروبة، والمقاومة، والإسلام الحنيف؟!

لو كان الإرهابيون يمتلكون عقولاً نيرة في الدين، والقيم، والوطنية لأدركوا أن اغتيال رجال الدين المقاومين الأحرار والشرفاء، لا يخدم سوى أعداء الأمة، وأعداء الإسلام...‏ 

اغتالوا الشيخ غية، المقاوم صاحب الفكر النير، المستنير، لأنه واجه أصحاب الصيحات الطائفية، والمذهبية، والفتاوى التكفيرية، والدعوات التكفيرية لأصحاب دكاكين 14 آذار، التي تأخذ اللبنانيين في اتجاهات لا تخدم سوى الصهاينة والغرب الاستعماري، وأشباه الرجال في دول النفط الذين ينامون على وسائد المال والشهوات والكفر والخنوع والخضوع للغرب الاستعماري، بالفكر النير، بفكر الإسلام السمح، بتوضيح العلاقة بين الدين والوطن، بين الدين والبشر، بين البشر والبشر، بين الإسلام والديانات الأخرى.‏ 

أصحاب الفكر التكفيري، القتلة، ليسوا أصوليين، وليسوا متدينين، وليسوا مجاهدين، وليسوا مع الحرية، ولا مع الديمقراطية، الكبار منهم ماسونيون، والأتباع جهلة، غارقون في أحلام الشهوة، والرغبات الجسدية...‏ 

إن مثل هذه الذهنية التكفيرية قد أربكت العالم الإسلامي وجعلت منه مطية ومعبراً للتدخل الخارجي كما حصل في العراق وليبيا و أفغانستان... لكننا نعتمد في مقاومتنا لهذه الذهنية على العقلاء من الفاعليات كافة كي يقوموا بدورهم ويلتقوا و يقولوا بالصوت العالي خسئتم لن تمزقوا صفنا و لن تشتتوا شملنا نحن نؤمن بأن ''كل مملكة تنقلب على ذاتها تخرب''.

 

وعلى كل واحد منا أن يحمل معولاً ليحطم الجمود والتكفير في العقول المنقادة المريضة، وربما بتحطيم أصنام التعصب والتكفير، نحرر العقول العفنة من تبعيتها ونفتح نافذة على ظلاميتها فيدخل منها ثقافة العيش المشترك والحوار وتقبل الآخر لنحطم أصنام الجهل والتبعية، على كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون خفيراً حارساً على أمنه و أمن وطنه فلا ندع مجالاً لمخرب أو مجرم أو ارهابي ليعبث بممتلكاتنا العامة أو الخاصة أو لمندس يثير فتنة هنا ويطلق شرارة تعصب هناك يجب أن نعيش اليوم ثورة حقيقية ثورة على التفرقة... ثورة على التمزق... ثورة على كل من يكيد للبنان وشعبه في أمنه وعيشه ومستقبله. 

إن اغتيال الشيخ سعد الدين غية، يتزامن مع ظهور شخصيات سياسية ودينية تحرض على الفتنة المذهبية من خلال اتهام أطراف معينة، وهذه الشخصيات باتت معروفة وتتبع تيار المستقبل، المرتبط بشكل مباشر بأداء السعودية، وقطر التي أخذت على عاتقها نشر الفوضى عبر مجموعات إرهابية تكفيرية في الدول العربية، الأمر الذي يحمل هذه الشخصيات العميلة وتيارهم المتآمر مسؤولية سفك الدم اللبناني وانخراطهم في جر لبنان إلى الفتنة والاقتتال الكارثي الذي لا يستفيد منه سوى العدو الصهيوني.‏ 

ما يحدث في لبنان وسورية ومصر وليبيا وتونس والعراق واليمن من زرع بذور الفتنة وسفك للدم العربي، من قبل عصابات إرهابية تكفيرية وهابية تعمل كأدوات مأجورة لتنفيذ مخططات عدوانية، تحيكها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ودول الغرب الاستعماري، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قرار تدمير المنطقة ونسف استقرار شعوبها، وتمزيق وحدة الدول العربية قد اتخذ ويجري تنفيذه منذ أكثر من سنتين ونصف.

والآن على ما يبدو جاء دور لبنان، الأمر الذي يستدعي من جميع اللبنانيين الحذر واليقظة والتنبه لمخاطر إدخال لبنان في دوامة العنف والفوضى، وبالتالي العمل على لملمة الجراح والتصدي لهذا المخطط العدواني البغيض، عبر تفويت الفرصة على العصابات الإجرامية التي تحاول زرع الموت والدمار في كل أنحاء لبنان، وداعميهم من السياسيين العملاء للخارج، وفي ذلك حفظ الأمن والاستقرار للبنان وسلمه الأهلي، وإفشال لأحلام المتآمرين وعملائهم في الداخل والخارج الذين يتربصون شراً بلبنان ودول المنطقة.‏ 

إنها مسؤولية كل لبناني شريف وحر، لذلك يجب أن يعيش هذه المرحلة بمسؤولية لأنه مسؤول عن أخطر مرحلة يعيشها، وليس مسؤولاً عن مراحل التاريخ الغابرة وما فيها من تجاذبات وخلافات، كما يجب ألا ينس الخطر الصهيوني الذي يهنأ اليوم بما يحصل على خشبة المسرح العربي وغياب القضية المركزية عن دائرة الاهتمام العربي الذي يعيش اليوم حالة من الضعف والتمزق والتبعية، يجب ألا ينس النهج المقاوم الذي سيبقى العائق والعثرة والمشكلة في طريق تحقيق الاستكبار العالمي لمخططاته في المنطقة.