أمطار صلاح عبد الرزاق

 

ليس صحيحاً أن الحياة في العراق، كانت عابسة وقاتمة بسبب نقص الخدمات وفوضى الأمن وخطب الجعفري عن " اللعق بالمعلقة "، فهناك أيضا جوانب مضحكة كثيرة، بل وكوميدية، ولمن لا يصدق عليه مطالعة الخبر الذي نشرته وكالات الأنباء أمس، وجاء فيه أن محافظ بغداد السابق صلاح عبد الرزاق حذر أهالي بغداد من أنّ عدم انتخاب نوري المالكي لولاية ثالثة سيزيد من غضب السماء عليهم، ففي حديث مثير للسخرية أخبرنا المحافظ السابق من "أن الإمطار التي هطلت على العاصمة بغداد هي عقوبة سماوية، ولو كنا على رأس الحكومة المحلية الحالية لما حدث ما حدث لكن السماء أرسلت رسالتها للشعب وعليه ان يفهمها جيدا. ". ولم ينسَ عبد الرزاق أن يخبرنا من أنّ العراقيين، إذا ما أرادوا تجنب الكوارث فعليهم أن يصوتوا لدولة القانون والتجديد لولاية ثالثة للسيد نوري المالكي.
وربما نختلف أو نتفق مع السيد المحافظ، السابق، لكن علينا مع هذه اللفتة المتميزة أن نؤمن بأن الرجل يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس،والدليل على ذلك أنه لا يزال يقسم بأغلظ الأيمان أن الحل في تطوير بغداد وانتشالها من حالة البؤس والقتامة، هو في إعادته إلى الكرسي والهتاف بحياته في شوارع بغداد!
وأظن أنها منتهى الإنسانية والرحمة من المحافظ السابق المنتفخ بانتصاراته الوهمية، أنه لم يفرض على الذين لم ينتخبوه، وقرروا البقاء في بغداد أن يدفعوا " الجزية " كما أن الرجل كان كريماً ولم يعتبرهم من " الإرهابيين"، ولم يطلب تجريدهم من الجنسية ، لأنهم صوتوا ضد إرادة السماء!
بعد أن قرأت حديث صلاح عبد الرزاق شعرت بالامتنان للرجل فقد أثبت بالدليل القاطع أن هموم أهالي بغداد محصورة في عودة سيادته إلى المنصب، لأن هذه العودة ستجنبهم غضب السماوات. 
هكذا يفهم البعض المسؤولية، فهي فن الحصول على كل شيء ،، ومن ثم لابد من استخدام كل وسائل الخرافة للعب على عقول الناس، وزرع في أذهانهم أن المعركة ليست بين خصوم سياسيين، وإنما بين مؤمنين سيجنبونك غضب السماء، وكفرة سيقودونك إلى نار الدنيا قبل جحيم الآخرة.
لعل ما قاله شيخ هذا الزمان صلاح عبد الرزاق عن كوارث التخلي عن دولة القانون، يكشف إلى أي مدى يحاول البعض قصف أدمغة البسطاء بأسلحة محرمة في الممارسة السياسية، يريدون من خلالها إحداث دمار هائل في وعي الناس.
لقد توهم أهالي بغداد وتصوروا أنهم يخوضون معركة سياسية نظيفة محورها هو ترشيح محافظ ومسؤول يسعى لخدمتهم، فيما اعتقد البعض من الساسة ان الأمر هو تنصيب وكيل سماوي لإدارة شؤون المحافظة الدينية لا الخدمية ، بهذا المنطق يختطف عبد الرزاق القضية ليبعدها عن جوهرها الحقيقي، وليحاول إعادة تسويقها للعامة على أنها قضية " إيمان ضد جهل " أو وفقا لحالة الانتشاء التي ظهر عليها المحافظ السابق، بدا وكأنها كانت معركة بين مؤمنين وكفار، وغير خاف ما لمصطلح " غضب السماء " من دلالات، كما أن الرجل لم يتمالك نفسه من نشوة " الدروشة " فاعتبر أن بغداد أصبحت مدينة مغضوباً عليها لأن أهلها خالفوا إرادة السماء وعليهم الآن أن يبحثوا عن حل ينقذهم من أمطار لا تبقي ولا تذر.
بالتأكيد أن ما تفوه به المحافظ السابق مضحك جدا، فهو في واد والمواطن في واد آخر، فالمواطن لم يشعر بالرفاهية في زمن صلاح عبد الرزاق، فقد كان صلاح عبد الرزاق مهموما بصولاته على نادي الأدباء وجمعيات المسيحيين وبإنشاء "إمارة دولة القانون ".
دعونا نتساءل؛ لماذا يقوم محافظ بغداد السابق بكل هذا الصخب في هذا الوقت بالذات؟ هل يريد من الناس أن يصدقوه، وهو الذي ساهم بحملة نهب البلاد وتخريب مؤسساته؟ ألا يدرك الملا صلاح أن السياسة تقوم على الثقة والإخلاص وهي صفات يفتقر لها العديد من ساسة اليوم؟!
هذا هو صلاح عبد الرزاق وهذا هو خطابه.. فتأملوا كيف تصنع دولة القانون أبطالها.