"الشِّمر" بنسخته التركية

 

قال رجل لإحدى الإذاعات الغربية إن عمله في كوريا الشمالية، كان يفرض عليه أن يستيقظ كل صباح ليذهب إلى الحدود، ويبدأ من هناك بكيل الشتائم إلى الجارة "العدوة" كوريا الجنوبية.. وأضاف وهو يبتسم انه كان في كل يوم يؤدي نفس المهمة، ثم يذهب إلى بيته شاكرا في سرّه البلد الجار لأنه مصدر رزقه ولولاه ربما مات من الجوع والبطالة. تذكرت موظف "الشتائم" هذا وأنا أقرأ ما تعج به صحافتنا يوميا من شتائم تُنثر يميناً ويساراَ، مرة باعتبار تركيا الشيطان الأكبر، ومرات عدة تجعل من السعودية قائدة الغزو الإمبريالي ضد العراق.. إلا أن أطرف ما قرأت ضمن هذه العينة من التصريحات، ما قاله النائب عن دولة القانون خالد الأسدي واصفا فيها رئيس الوزراء التركي بأنه شمر هذا العصر.. وإذا عرفت "جنابك أيها القارئ العزيز" لماذا أرعد وأزبد خالد الأسدي ستصاب مثلي بالحيرة! وإليك الحكاية: 
فقد أحيا رئيس الوزراء التركي ذكرى استشهاد الإمام الحسين وقال أمام حشد من المواطنين: "إنه مثلما أدى طمع يزيد بالسلطة قبل 1374 سنة إلى إراقة دم الحسين فإن طمع البعض بالسلطة ما زال يؤدي إلى مقتل"الأبرياء، سواء أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن، مضيفا أن اسم القاتل مازال يزيد".. هذا الحديث استفزّ النائب الأسدي الذي أصرّ على أن فيه إساءة للعراقيين، فكيف لواحد مثل أردوغان ان يتحدث عن الحسين وثورته، ويتهم يزيد بأنه طامع في السلطة؟!
ولأن الأسدي ومن معه مهنتهم شبيهة بمهنة المواطن الكوري الشمالي، فالمطلوب إذأً أن نشتم كل ما يقوم به جيراننا.. قف في البرلمان واشتم، فهناك سلات مليئة دوما ببقايا المصطلحات المنقرضة، أجندات اجنبية، إمبريالية، عدوان خارجي.. لا يريد أحد أن يتخيل العراق في حالة طبيعية مع جيرانه، الحدود آمنة، والشعب قادر على أن يرى الفرق بينه وبين الأتراك والسعوديين.
يكتب أريك هوبزباوم في كتابه عصر التطرفات، "إن الأنظمة الطفولية لا تستطيع العيش إلا باختراع عدو تعمل على تضخيمه كل يوم".. ومن أجل هذا "العدو" يجد خالد الأسدي نفسه منذورا لمهمة كبرى هي سحق الإمبريالية التركية، وهزيمة الكيان السعودي.. وبدلا من أن يشرع البرلمان قوانين تحمي الاستثمار وتشجع على الانتاج وتحمي ثروات البلاد، يطالب نواب ومن دولة القانون أيضا بان يشرّع مجلس النواب قانونا لحماية الشعائر الدينية، لماذا أيها السادة؟ لأن في ائتلاف دولة القانون يعتقد أن العراقيين يعيشون عصور الجاهلية الأولى، وان رايات الإسلام لم ترفرف بعد على أرض الرافدين، ولهذا فمهمة السنيد وصلاح عبد الرزاق ومعهم عباس البياتي ومحمد الصيهود، هي في الانتقال بنا من عصور الإلحاد، إلى عصور الإيمان والتقوى. 
وأعود إلى حكاية الشِّمر أردوغان، كلنا يتذكر كيف وقف رئيس وزراء تركيا في البرلمان العراقي قبل عامين، حيث قوبل في ذلك اليوم المشهود بتغريدات وخطابات تغنت بصفات رجل تركيا الطيب القلب وراح البعض يكيلون المديح للجار العزيز حتى ان المالكي قال وهو يقبّل أردوغان من وجنتيه: إنه حقا يوم تاريخي أن نرى رئيس وزراء تركيا الأخ رجب طيب أردوغان في بغداد.. ولم تمض شهور قليلة حتى وجدنا الأشاوس أنفسهم يتحولون ويشمّرون عن سواعدهم ويعلنون حربا شاملة لاهوادة فيها ضد الخائن أردوغان قائد محور الشر.
هل استطاع جنابك العزيز ان يفهم لماذا أصرّ الأسدي على اعتبار أردوغان شمراً بنسخة تركية؟ لأنه مثل زملاء له في دولة القانون منهمكون في ما هو أهم من الاهتمام بهموم وقضايا العراقيين، قصف تركيا وتهديد السعودية، وتوجيه صواريخ عابرة للقارات لقصف قطر، فيما شوارع البصرة وبغداد والسماوة والحلة غارقة في وحل الأمطار والمفخخات.
اذن ايها المواطنون، لا تطلبوا وطناً افضل، ولا دولة على غير ما يريد قادة دولة القانون. إنه سوء المصير الذي بلغناه ونحن ندّعي قيادة العالم، شعب ينفي إلى الغربة محمد مكية ورافع الناصري وقيس كبة، وسنان الشبيبي، فيما ساسته لايملكون سوى مكبرات صوت يصولون بها شمالا وجنوبا. تصوروا أن الساسة تصالحوا مع شعبهم غداً. . حينها لن يبقى خالد الأسدي يروي قصة " الشِّمر" التركي.