تفجيرات لبنان.. ونذر الحرب الأهلية..؟

 

 

 

 

 

 

المشهد ذاته يتكرر والسيناريو ذاته يتكرر، وكأنما اللبنانيون لم يعد لهم أن يستيقظوا من حلم أليم، حلم أدمى قلوبهم وأبكى عيونهم وروى تراب أرضهم بدماء الشهداء الطاهرة إلى حد الكفاية ويزيد.‏‏ هي ذات الانفجارات التي حدثت منذ أسابيع في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي طرابلس، واليوم تفجيرين جديدين داميين قرب سفارة الجمهورية الإسلامية في بيروت واللذين قُتل فيهما أكثر من 24 شهيداً بينهم أحد الدبلوماسيين الإيرانيين وإصابة 150 جريحاً. هذان الإنفجاران اللذان ذهب ضحيتهما جرحى وقتلى، يبدو أنهما من تدبير جهة واحدة. والهدف الأساس من هذين الإنفجارين إشعال فتنة طائفية وحرب أهلية بين اللبنانيين، فتختلط الأوراق، وتكون اليد العليا للعدو الصهيوني الذي لم يخف ارتياحه وابتهاجه بما يجري في لبنان. 

 

والحديث عن ضلوع التكفيريين الإرهابيين من تنظيم القاعدة، في التفجيرين يبدو موضوعياً لأن هؤلاء أدوات للمشروع الصهيو ـ أمريكي في المنطقة. فبعدما أشعلوا نار الحرب على سورية يريدون إشعالها في لبنان لتدمير المقاومة الوطنية اللبنانية التي لن ينس العدو الصهيوني أنها أذاقته مرارة الهزيمة عدة مرات كان آخرها في عدوان 2006 على لبنان. وعلى الرغم من المحاولات التي تبذل لإظهار التفجيرين الإرهابيين التي حدثت في منطقة يئر حسن، جنوب بيروت، وقبلها طرابلس وقبلها بأسابيع في الضاحية الجنوبية لبيروت على أنها تأتي بثوب الطائفية والفئوية، إلا إن الوقائع تؤكد أنها تندرج في نفس الطبخة التي تم الإعداد لها والتحضير كي تنضج وتقدم يانعة وشهية للكيان الصهيوني الذي يأكل الشهد ودول المنطقة يأتيها السم الزعاف. 

 

هي الحرب الناعمة الأمريكية التي أطلقت مع قدوم الرئيس الأمريكي ''باراك أوباما''، الحرب التي تجعل دول المنطقة كلها ساحات مشتعلة تتسع وتنتقل من دولة إلى أخرى بأدوات محلية جندت وأعدت لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه أمريكا ودول الغرب معها خلال دعمها للكيان الغاصب لفلسطين طيلة سنوات الصراع العربي ـ الصهيوني. ويخطىء من يعتقد للحظة واحدة أن ما يجري في بلد عربي ينفصل عما يحدث في البلد الآخر هكذا تقول لنا الأحداث والتطورات، لكن الكثيرين مازالوا يصرون على دفن الرؤوس بالرمال والتحدث باللغة التي يريدنا أن نتحدث بها الأمريكان والصهاينة والحلف المعادي لمصالحنا الوطنية والقومية. 

 

هم يريدون إدخال لبنان ضمن الأوراق التي يمكن أن يتلاعبوا بها لتحقيق مكاسب على الأرض ترفع معنويات الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تقاتل بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل وتركيا والسعودية على الأرض السورية ويريدونها أن توجد لها ساحات للقتال في لبنان حيث المقاومة شريك سورية في التصدي للمشاريع التصفوية التي أعدت للمنطقة. 

 

فاللاعبون الحقيقيون في لبنان، هم بعض العرب وإسرائيل والغرب، يحاولون رسم مرحلة ما بعد سوريا من خلال سوريا الحالية، فيما يرسم آخرون مرحلة ما بعد الأسد بأنها الأسد. ثمة من العرب من آمن بالشيطنة فأهدى لبنان بعضاً من الصناعة المذهبية التي تروق له، ظناً أن انفجارها في لبنان لن يقترب من حدوده ومن واقعه... ونكاد من خلال قراءتنا للحقائق، أن تفجير الساحة اللبنانية لن يكون عامل تفجير محلي، بقدر ما سيكون له نفوذ في بلاد المفجرين.

 

لبنان اليوم أسير بعض العقل العربي الذي يرى في الوضع السوري ملاذاً له، وبالتالي لابد من ربط عجلته به... ثمة متوهمون أن تصدير الأزمة إلى لبنان مفيد في هذه الظروف، كي يظل الوضع السوري على حماوته، وإن كان البعض يقرأ بأن تخفيف الأزمة في سورية وإيجاد الطرق الكفيلة بوضع سكة سلامتها على نار هادئة، يعني استمرار لبنان في العاصفة بل تحميتها كي تصيب، وتعطب، ولا بد بالتالي من إيجاد الطرق الكفيلة بنصب الفخاخ أمام حزب الله، فكل ما يجري في سوريا بات متعلقا به، وكل ما يجري في لبنان يطاله تحديداً، يراد له التفكيك والانحلال، وبعدها شطبه من معادلة المنطقة... لكن كثيرين ينسون المعادلة الإيرانية القائلة، بأن أمن سوريا من أمن طهران، وأمن حزب الله من أمن إيران.

ولابد من التوقف، والقول بأن الانفجارين الداميين، يفتحان بوابة الأسئلة المشروعة حول التشابك العضوي بين ازدياد العنف في الداخل اللبناني مع ارتفاع وتيرة التحريض الخارجي، على خلفية الكشف عن صدور ضوء أخضر لدعاة التسليح، والاعتراف المتزايد للخارج بدخول طرف ثالث على مشهد الدماء اللبنانية.

لقد استشعرت المقاومة الشريفة واستشعر بعض من قياداتها الشريفة والوطنية وشبابها، ما يبيت للمقاومة اللبنانية التي ضربت أروع الأمثلة في انتمائها وفدائها للبنان شعباً وأرضاً، وقدمت تضحيات كبيرة وصمدت وناضلت ورفضت اليأس والتيئيس، وجابهت كل محاولات الاستفزاز والاستهداف والعدوان، ولم يلِنْ عزمها ولم يتقهقر صمودها، ورغم محاولات الترهيب والترغيب والإغراء رفضت المساومة على وطنها أو التنكر لكل من ساندها ودعمها، بل أخذت على عاتقها رد الجميل وحماية ظهرها والتدخل بالقدر الذي يبعد عنها الخطر، ورغم ذلك لم تدس رأسها في الرمل، وإنما أعلنت المقاومة اللبنانية وعبر قادتها أنها تدخلت في الأزمة السورية وشاركت في معركة مدينة القصير السورية لأسباب استراتيجية ولضرب الطوق الذي يراد أن يفرض عليها من القصير وشمال لبنان وجنوب لبنان حيث حشود قوات كيان الاحتلال الصهيوني.


ولذلك فإن استهداف المقاومة اللبنانية هو مستمر منذ قيامها، وما حدث من تفجيرات قرب السفارة الإيرانية، لا يخرج عن هذا السياق، فالهدف ليس الانتقام بقدر ما هو إضعاف المقاومة اللبنانية التي ضعفها ـ حسب المتآمرين ـ سيرتد ضعفاً أكبر على سوريا التي جارٍ إضعاف جيشها وتدمير بناها التحتية، وهو أيضاً إضعاف سيرتد سلباً على المقاومة اللبنانية. إلا أن هذا ما كان له أن يكون بهذه الصورة المفضوحة لولا توفر البيئة الحاضنة من قبل قيادات سياسية ورموز دينية لبنانية، فضلاً عن قنوات ووسائل إعلامية لبنانية والتي مكنت عصابات الإرهاب والمرتزقة من أن تتخذ من لبنان أوكاراً لتعيث فيه فساداً وتقوده إلى فتن داخلية، وتزرع فيه الرعب والإرهاب وتدمر البنى التحتية.


بعض التيارات التكفيرية المدفوعة من تيار المستقبل، يصور له ممولوه أنه أكبر من حجمه، هو يصدق مثلما يصدقون... قديما قال ''غوبلز'' النازي ''أكذب اكذب سوف يصدقك الناس''... لكن بعض العرب الممولين له ولتيار المستقبل لديهم ظنونهم بأنه طالما أن سورية مشغولة بحالها، فيمكن بالتالي إشغال اللصيق بها وهو حزب الله. هم لا ينتبهون إلى المعادلة الثابتة بأن من قاتل إسرائيل وأعادها إلى حجمها الطبيعي لن يعجز عن ضبط الساحة لمصلحته، بل هو ممسك باللعبة في أدق تفاصيلها، وإن قوته المركزية تمسك بالمقابل بالساحة اللبنانية لمنعها من التفجر مهما تغلبت لغة دعم الأطراف الأخرى المناهضة له.

إن التفجيرين الداميين قرب السفارة الإيرانية الذي خلّف ضحايا وجرحى، يتشابه مع تفجيرات إرهابية وقعت في كل من سورية والعراق ويتشابه في الأسلوب وطريقة التنفيذ، وهذا يؤشر إلى الجهات المنفذة وطريقة تفكيرها وأهدافها، وأياً تكن هذه الجهة الإرهابية التي ادعت الإسلام وحاولت التستر بإسمه ورموزه فإن إسرائيل هي المستفيد الأول والأخير من هذا الإرهاب سواء تم تحت رعايتها وبتخطيطها ودعمها أم لا، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن لإسرائيل سوابق كثيرة في تنفيذ مثل هذه الأعمال الإرهابية، فإن من نفذها يحاول التشويش والضغط على جمهور المقاومة لإرغامه على التخلي عن خياراته الوطنية.‏ 

وقد ظهر في طرابلس ما يسمى ''زعماء المحاور'' أي زعماء المسلحين وهؤلاء يرتبطون بشيوخ الفتنة السلفيين الذين يتلقون المال والسلاح من دول خليجية، وبخاصة من السعودية، بهدف جعلهم قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار في لبنان. 

 

فقد أصبح ''بندر بن سلطان'' الأب الروحي لفريق 14 آذار، و يديرهم كما يدير موظفيه...، والوثائق التي تؤكد ذلك كثيرة وكثيرة جداً، ومع ذلك يريد هؤلاء أن يقولوا إن إيران هي العدو وليست إسرائيل، وإن العمالة للولايات المتحدة هي مهمة مقدسة ما دام الهدف محاربة سورية، ومحور المقاومة، وهؤلاء على استعداد لبيع لبنان بالكامل باسم السيادة والاستقلال وتأجيره لكل تنظيمات القاعدة وأخواتها، وكل ذلك باسم سيادة لبنان واستقلاله، وباسم الحرية والكرامة، والثورات، والتي أتتهم كمادة للتجارة والمزايدة على حساب اللبنانيين والسوريين.


هؤلاء يريدون سلطة، ومناصب، وشعارهم الأخير (لا حوار)، على الرغم من أن الحوار هو أداة للتواصل بين البشر، ولكن عندما استنفد هؤلاء كل شعاراتهم، والتي تبين لجمهور لبناني واسع أنها كاذبة، ومنافقة، وأن مدعي الحرية والاستقلال يستحضرون كل أنبياء الأرض ومذاهب الأديان عندما يحشرون بالزاوية، فيتحولون فجأة إلى رافضين للدولة ومؤسساتها وإلى تجار للفتنة المتنقلة وإلى محرضين للناس على بعضهم البعض في لبنان، وبين لبنان وسورية.

 

ولا شك أن مشروع الفتنة الطائفية الذي يقود إلى التقسيم لن يكون محصوراً بلبنان بل يريدون له أن يشمل سورية والعراق .والهدف هو القضاء على محور المقاومة، خدمة للصهاينة. فهذا المشروع التقسيمي ونار الفتنة لن تبقى محصورة في بلد أو عدة بلدان والإرهاب سوف يرتد على صانعيه في كل مكان. وقد تحدثت الأنباء عن اجتماع حصل في ''لسعودية'' لرجال الدين الموالين للنظام الوهابي السعودي، وتم فيه بحث خطة وضعها سيء الذكر ''بندر بن سلطان'' لإشعال لبنان بحرب طائفية أهلية هدفها القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية والقوى الداعمة لها. وليس بعيداً أن تكون أولى نتائج هذا الاجتماع ما حصل في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي طرابلس والتفجيرين الداميين قرب سفارة الجمهورية الإسلامية في بيروت واللذين قُتل فيهما أكثر من 24 شخصاً بينهم أحد الدبلوماسيين الإيرانيين.

وما يتوارد من أخبار عن أن ''البندر'' السعودي الذي يحمل ''شيفرة'' خاصة من وكالة الاستخبارات الأميركية، و يزودها بالمعلومات من بوابة مخصصة له، يسعى لإبقاء نزيف الدم قائماً في لبنان والاستمرار فيه بسورية والعراق، بما يتوافق مع محاولات بلاده لكي تكون لاعباً أساسياً بما يتقرر في المنطقة بهدف التعويض عن الخسائر التي تعرضت لها السعودية، وبخاصة بعد إبعادها عن التفاهمات الأميركية ـ الروسية، والتلويح بالتقارب الأميركي ـ الإيراني.‏ 

واليوم تبدو الصورة أكثر جلاءً ووضوحاً من ذي قبل، فالإرهاب الذي كان يتخفى بأقنعة متعددة في الماضي أسفر اليوم عن وجه واحد يمكن التعرف عليه بسهولة ويسر، فالمعركة اليوم بين جبهتين واضحتي المعالم، جبهة المقاومة الإقليمية المكونة من سورية وإيران وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة والتي انضم إليها العراق الشقيق بفعل الاحتلال الأميركي وجرائمه وفظائعه من جهة، وجبهة الإرهاب الدولي المكون من أميركا وإسرائيل والعثمانيين الجدد وأحفاد أبي جهل في الخليج الجبهة التي تستخدم جهاراً نهاراً مختلف التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة لتحقيق أغراضها وبناء مشروعها الاستعماري التفتيتي الفتنوي الحاقد.‏ 

وبدون أدنى شك تعلم جبهة المقاومة الممتدة من طهران إلى دمشق ومن بغداد إلى بيروت أن خيار المقاومة خيار مكلف وله أثمانه الباهظة، ولكن مهما كانت أثمانه كبيرة وكلفته باهظة فإنه يظل الخيار الأقل كلفة بين الخيارات الأخرى التي ارتضاها بنو جلدتنا من أعراب النفط والدولار، خيارات العمالة والخنوع والاستسلام والرضوخ للمشيئة الأميركية والصهيونية، ولذلك فإن هذه التفجيرات والأعمال الإرهابية الجبانة التي تستهدف شعب وجمهور المقاومة في هذا المحور الصامد لن تزيده إلا تمسكاً بخياراته ومواقفه مهما اشتدت الضغوط وسُعّرت نيران الإرهاب الحاقد.‏ 

كل ذلك يعيد إلى التفكير أن ثمة واجباً على الدولة اللبنانية لحماية أبنائها بكل الوسائل الممكنة، والانتقال بالتالي إلى حوار طال انتظاره في ظل التآمر الخارجي المكشوف من أجل استمرار نزيف  الجرح اللبناني، والذهاب بعيداً في مخططات لم تعد خافية على أحد تهدف لإضعاف الدولة وضرب وحدتها الوطنية، كما يبشرنا الأشقاء ليل نهار.

والحال فإن الأمر لم يعد يحتمل المراوغة واللعب على حبال الكلمات والمواقف، وانتظار تحقق الوعود الخارجية، التي رأينا بعض نتائجها في ليبيا، ما يمنح جموع اللبنانيين حق القول بوضوح مطلق: إن كل من يرفض الحوار الوطني وتأليف حكومة وطنية إنقاذية جديدة، أو يتأخر عن موعده، مهما كان موقعه أو تموضعه، يعتبر مسؤولاً أمام الأجيال المقبلة، عن مصير وطن، ودماء نساء وأطفال، لن يكون التفجيرين الداميين قرب سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت، آخر مآسيهم.