من ذرى جبال كردستان.. إلى الفرات ونخل السماوة

 

 

 

 

 

 

قد هاجت الدنيا بنا وماجت واستيئسنا من إمكانية التعايش ونحن نتابع التراشق الإعلامي لساستنا فكل يغني على ليلاه وكل يحذر من شدة البطش ونظرية المؤامرة ويكأننا على أعتاب منعطف خطير يؤجج لحرب قومية طائفية اثنيه عرقيه تأتي على الأخضر قبل اليابس حرب أهلية لا تبقي ولا تذر تأتي على الغظ والقضيض 000تعود بنا إلى أيام تجعل الولدان شيبا, وإزاء هذا التماحك والصراع السياسي أصابنا الوجوم وكأن على رؤوسنا الطير ,عصفت الكثير من التساؤلات والعتاب ولكن نسأل من ؟ ونعاتب من ؟ فلله درك يا ارض السواد أما آن لك أن ترتوي من دماء أبنائك على مر الدهور دماء الشيب قبل الشباب ودماء الأطفال قبل الرجال ودماء النساء قبل هذا وذاك .

دماءٌ سُفكت وأعراض هُتكت وأستارٌ إنتهكت ومرؤةٌ خُرمت حتى استفحلت أعداد الولدان اليتامى والنساء الأيامى والأمهات الثكالى , كابوس مرعب كلل ظلمة الليل قتامه , لكن ومن غير سابق إنذار في وقت متأخر رن هاتفي النقال فإذا المتصل صديق كردي من أربيل (علي البر زنجي) جمعتنا مقاعد الدراسة الجامعية الأولية والدراسات العُليا فإذا به يطارحني ذات الهموم مقترحاً أن نبكر مسافرين إلى الفرات الأوسط وجنوب العراق الحبيب عسى أن نتشبث ببصيص أمل أو نبصر نوراً في نهاية النفق المظلم فتم تحديد مكان اللقاء وتوقيته في فجر ذات اليوم , لننطلق عسى أن ننقل لأهلينا تباشير أمل في زمن إختلط الحابل بالنابل .          .

ما أن أمسينا على مشارف بابل حتى داعب الوسن أجفاننا وأصاب التعب أجسادنا لذا كان القرار أن نأخذ قسطاً من الراحة في مطعم الدلة على الطريق الدولي السريع المؤدي إلى الجنوب بعد أن نؤدي صلاتي الظهر و العصر قصراً وجمعاً ومن ثم نتناول وجبة غذاء لنقصد بعدها أرض شعلان أبو الجون حيث السماوة ونخلها الذي تغنى به العاشقين حتى قال عاشقهم : (مو كلمة احبك تخلص وياك .. ولا حجي المسامر ينتهي بفترة .. أنت اكبر محبتك والله من هاي.. يالحبك عجيب وصار عالفطرة .. من أول ما عرفتك كمت أفكر بيك .. خذت روحي ويَة عقلي وتيهت فكرة .. جنيت بغرامك حيل فد نوب .. اشما سَوى المسودن لازم تعذره .. أغار عليك حتى من الهوى المار.. وإذا مطرت عليك اكطعهة للمطرة .. لو تدري شكد احبك جا خفت حيل .. مثل نخل السماوة الطرته السمرة...) 

ما يعنينا في الأمر همس لي صاحبي (سيد علي ) : أنت تعلم أنني كردي وسني فقد اجتمع سببان لاستهدافي الدافع القومي ثم المذهبي فأخشى إن صليت وتم رؤية هيئة صلاتي ستكون سببا في مقتل كلينا ؟

 أجبته : نحن نبحث عن الحقيقة وان تسبب بحثنا في مصرعنا فقد وقع أجرنا على الله فأطمئن سنصلي أنا وأنت جماعة وسط هؤلاء الشباب فكلنا نسجد لرب واحد ونستقبل قبلة واحدة ونتلوا قرآنا واحدا فإن فرقتنا المذاهب جمعنا الإسلام وان فرقتنا الأديان جمعنا الانتماء لأرض العراق .

انتهينا من صلاتنا وجلسنا في المطعم فإذا بشابين ممن كانا معنا في المسجد, يطلبان منا الجلوس في المكان الذي كانا يشغلانه فبادرنا وإذا مكانهما قبالة التبريد الذي كنا أحوج ما نكون إليه فآثرونا على أنفسهم فقلت لصاحبي أبشر فهذه هي النخوة العربية العراقية الجنوبية الأصيلة ثم اقسما أن يدفعا ثمن ما تناولناه دون أن يكون بيننا سابق معرفة .

انطلقنا مرورا بالسيطرات العسكرية التي لا نسمع منها سوى (حي الله أهلنا في الموصل واربيل ) (مرحباً بأخوتنا ) (على رؤوسنا أهلنا في الشمال) على النقيض تماما من تعامل سيطرات الموصل مع أبناء نينوى !! ما يعنينا أن ما سمعناه من منتسبي نقاط التفتيش كلمات كهذه وتزيد مع الدعوات لنحل ضيوفا في بيوتهم فقط لأنهم أدركوا من أرقام عجلاتنا ولهجاتنا بأننا من شمال العراق كلمات كان لها أجمل وقع على الأنفس كونها تداعب شغاف القلب وتعزف على أوتار المحبة حتى ترقرق الدمع على الوجنات من السعادة التي غمرت أفئدتنا .

وبعد مضي عشر ساعات وطئت أقدامنا ارض السماوة الحبيبة لنحل ضيوفاً على أحفاد الأماجد أبطال ثورة العشرين التي لقنت الغازين درساً لن ينسوه وما هي إلا لحظات فإذا بالسمك المشوي واللبن البارد وتمر البلكة الذي يشتهر به نخل السماوة ، تتالت وفود الجيران الوافدين للسلام علينا فأصر الحاج أبو قصي على دعوتنا لوليمة عشاء على شطئان الفرات حيث تتراقص الأمواج لتداعب نسمات الهواء العليل الذي يضفي شاعرية على المكان خاصة مع انعكاسات الأنوار المتلألئة على صفحات الفرات وقد اجتمع الأحبة ، في هاتيك اللحظات أبصرت مُضيفنا يهمس في أذن سيد رحيم الزاملي فبادرت بالاستفهام عن الأمر فخاطبت الحاج : أفصح عما يجول في خاطرك ولا تتحرج ؟؟ 

أجاب : أسمع كل منكم يخاطب صاحبه بكلمة (سيد) فهل بين )أبناء العامة) سادة ؟؟؟ 

اعتلت صدري تنهيدة قبل أن أجيبه قائلا : إعلموا أن للتاريخ دورته وغالبا ما يُعيد الزمن أحداثه وما أشبه اليوم بالأمس البعيد ، فالكل يعلم أن ذرية آل بيت النبوة بسبب ما عصفت بالمنطقة من تجاذبات سياسية أصبح كل واحد تحت نجمة من نجوم السماء الواسعة فأنت ترى سيد رحيم الزاملي وهو شيعي  ، سيد علي البر زنجي وهو كردي والمتحدث سيد زياد السبعاوي وهو سني ننتسب إلى والد واحد هو الحسين ابن أمير المؤمنين علي (عليهم السلام ) شهيد كربلاء ولئن استمر صراع ساستنا نخشى أن تجد ذات يوم (لا قدر الله) بين البوذيين والهندوس بعض من سلالتنا هربا من هول ما نعانيه وفرارا من استباحة الدماء تحت غطاء وستار الدين ومحبة آل البيت (عليهم السلام) .. 

توالت الأيام وتتابعت الدعوات ولكن الذي أثار حفيضتي علامات الانزعاج التي لازمت محيا البر زنجي !! تقصيت عن الأمر ؟؟ أجاب أناس بهذا الكرم الحاتمي ولو كان حاتم طي حيا لوقف لهؤلاء إجلالا وتقديرا, فبالرغم من توفر عامل الأمن والأمان إلا أننا نرى انعدام الخدمات بدءا من الكهرباء التي وكأنها ربطت على الإشارة المرورية (ترفك لايت) والشوارع غير المعبدة وانعدام فرص العمل وتفشي البطالة !! فكنا نعيب على ساسة حكومة كردستان رغم المشاريع العملاقة وحينما نعاتبهم يردنا الجواب من قبلهم إننا إن كنا نسرق قليلا فإننا نبني كثيرا ولنجعلن من الإقليم دبي ثانية ولكن كيف بغيرنا الذي يسرق كثير ولا يبني إلا قليلا ؟؟؟ 

هنا ولا زال الكلام للبرزنجي كنت قد قرأت عن تعرض يثرب في زمن التبابعة للغزو وكان أهل يثرب بعد إخلاء جرحاهم يطهون الطعام لأعدائهم الغزاة خشية عليهم من الهلاك جوعا ؟؟ فقلت كيف يجتمع الضدان !! وحالما رأيت الكرم بأم عيني فلا غرابة فالعربي إن ضفته في بيته ولا يملك سوى شاة واحدة نحرها لضيفه ويهتف قائلا (الخير كثير) وهذا نابع من الإيمان العميق بالله الرزاق .

هممنا بالرحيل بعد بضعة أيام ، لكن اقسم علينا قاسم آل معالي  أن نحل ضيوفآ عليه نحن ومعنا من نحن في ضيافتهم وكان بحق رفعة رأس وقد تجشم الكثير ، كان من بين الحضور احد المقاولين الذي نفذ بعض المشاريع مع الأمريكان ومن ثم اليابانيين وقد روى معاناته في إحدى المقاولات التي أنجزها في مد شبكة الإرواء بقوله : إن ارض المثنى على عمق 80سم يبدأ  نضوح (نزير) المياه الجوفية وهذا بحد ذاته يشكل عائقآ ثم عقب قائلآ : خلال تنفيذنا لأحد المشاريع قدم وفد الخبراء اليابان فسأل احد العمال المترجم العراقي متى نبلغ ما بلغوه؟ 

إلا أن الحوار أثار امتعاض واستياء الخبراء إذ كيف يخاطب المترجم العمال فطلبوا من العامل العراقي إعادة السؤال ليتبنى المترجم نقل جواب كبير الخبراء الذي قال لن تصلوا حتى بعد 100عام ثم رفع ذراعيه إلى الأعلى وفرج بينهما وأردف قائلآ لوجود الكثير من الحيتان0

 والشاهد على صدق ما نقول ولازال الحديث لكبير الخبراء اليابانيين : عرضنا على محافظة المثنى إنشاء شبكة مجاري بعمق خمسة أمتار وثمانين سنتيمتر شريطة أن يؤمنوا لنا إخلاء الحي الذي يجري العمل فيه ، لكن عرضنا هذا جوبه بالرفض فلا ولن تلحقوا بركب الحضارة في العالم المتمدن

هنا استدرك محدثنا المقاول العراقي قائلآ : معاناتي على عمق 80سم بسبب المياه الجوفية وهم يعملون على عمق 6م إلا قليل فكيف سيتسنى لهم ذلك وعلى العموم هي فرصة جادت بها الأقدار ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل علماً أن مشروع مجاري السماوة تم تنفيذه من قبل مقاولين عراقيين استمر العمل بها لأكثر من أربع سنين وقد تسببت الحفريات بالكثير من الأتربة والحوادث التي أفضت إلى الموت بسبب سقوط البعض فيها ووفاتهم واليوم السماوة والناصرية والديوانية والكوت والنجف وكربلاء بل وبغداد العاصمة كغيرها من مدن العراق تغرق بفعل الأمطار المنحة ُالإلهية التي تحولت إلى محنة لتختلط مياه السماء بمياه الصرف الصحي الآسنة مما يُنذر بكارثةٍ بيئية والضحية المواطن ولعل وكالات الأنباء تنقل استغاثات أهل مدينة الشعب وأور في عاصمة الرشيد  التي استفاقت اليوم على العجلات المفخخة لتزف 90 من شبابها ما بين شهيد وجريح وكذا الأمر في النجف التي ضحت بأربعة من أبنائها بين شهيد وجريح وديالى التي انتشلت من نهرها جثث 12 مغدور من شبابها و.....؟؟؟

 للأسف لم يقف الأمر عند هذا الحد بل راح ساستنا كلٌ يُلقي بالتهم على الأحزاب التي لا تشاطره الرأي متهماً إياها بالتلاعب في مشاريع الصرف من خلال إطفاء المولدات الخاصة بسحب مياه الفيضانات وإغلاق بوابات التصريف  لتصبح عاجزة عن إستقبال مياه الأمطار والفيضانات ، مما دفع العوائل إلى اللجوء للطوابق العليا من الدور وللأسف تسبب الأمر بوفاة 6 مواطنين في الناصرية و2 في ميسان وتهدم العديد من الدور ونزوح الكثير من العوائل لتسكن في المدارس فراراً بحياتها علماً أن باقي  مدن العراق ليست بأحسن حال من ذي قار أو العمارة ، نعم حسبنا الله ونعم الوكيل .

ما يعنينا عدنا إلى ديارنا بعد هذه الجولة الميدانية متيقنين لذا فإننا نقولها بالفم المليء ثقة إلى كل الساسة المراهنين على الحرب الأهلية نقول لهم ولمن دعا إلى التخندق الطائفي أو روج وأجج له خبتم وخاب فألكم فرهاننا على وعي الشعب وقد أدرك الحقائق وتكشفت الأوراق فالشعب باق والأشخاص يندثرون والتأريخ لن يرحم والتأصيل لقولنا ما ذكره المولى تبارك وتعالى ( وأن هذه أمتكم أمة ٌواحدة وأنا ربكم فاعبدون) فألف تحية لشعبنا في السماوة والفرات الأوسط والجنوب والوسط والشمال وحيهلا بنخيله وأهوراه وسهوله وهضابه وجباله ....

اللهم غيثاً مغيثا صيباً نافعا مريئاً مريعا ً ....

حفظ الله العراق وأهل العراق ......