ويلٌ لبغدادَ..

 

عندما بلغ الرصافي الخمسين من عمره، جلس يكتب قصيدة يلخّص بها سيرة حياته، ممزوجة بالدمار والخراب الذي حل ببغداد، كان ذلك أجمل ما كَتب، بعدما غرق طويلاً في تأمّل الفكر، عبث التاريخ.. ويل لبغداد، هي لحظة العرض لمأساتنا التي ستستمر عقودا طويلة بعد هذا التاريخ.. 
ويلٌ لبغدادَ ممّا سوف تذكرهُ عنّي... وعنها الليالي في الدواوينِ
لقد سقيتُ بفيضِ الدمعِ أربعها... على جوانبِ وادٍ ليس يسقيني
أفي المروءةِ أن يعتزّ جاهلها... وأن أكونَ بها في قبضةِ الهَونِ!
وأن يعيش بها الطرطورُ ذا شَممٍ.. وأن أُسامَ بعيشي جدع عرنيني!
ما هو تعريف الويل؟ إنه، في أبسط الأحوال، التنبؤ بالخراب.. ونحن بلاد تنتقل من ويل إلى ويل.. من ويل دكتاتورية صدام إلى ويل صخرة المالكي التي كشف لنا بالأمس فقط سرّها الدفين، إنها صخرة المتآمرين،: "هناك عمليات متعمدة من بعض المخاصمين السياسيين الذين يريدون العيش على معاناة الناس، حيث غلقوا بعض المجاري وأطفأوا بعض المحطات التي تصرف المياه، لإطلاق الشائعات والدعايات من خلال التظاهر".
المالكي يحب نظرية المؤامرة ويعشقها، ربما أكثر من أي شيء آخر.. تضيع الحياة.. لكنّ المؤامرة والمؤمنين بها تعيش وتترعرع.. المؤامرة هي بديل الحياة أحيانا، ومبرر الشعور بالعجز.. هي مخبأ تداري به فشلك.
انظروا ما حل ببغداد من خراب ودمار.. وتابعوا معي حكاية الصخرة التي أدخلتها جهات أجنبية إلى مجاري بغداد وكانت النتيجة أن الشوارع أغرقت بمياه الأمطار بعدما أصرّ الأعداء على أن يقوموا بتدبير إرهابي، مثيرة للأسى والسخرية هذه السطور التي قالها المالكي في حديث الأربعاء.. سطور ينزلق فيها العراق نحو عصور الظلام.. والعتمة!، والحاكم فيها لا يسمع سوى صوته.. 
بالأمس ظهر رئيس مجلس الوزراء غاضبا، هذه المرة، دون أوراق مكتوبة.. خرج علينا بنظرية المؤامرة.. قال كل ما يعبّر عنه مسؤول فاشل.. فالسلطة كما يراها المالكي وائتلافه هي في تخوين الآخرين، وتحذيرهم.. فهو قد كشف المؤامرة " صخرة بوزن 150 كيلو غراما " سببت كل هذه المحنة.. كذبة جديدة ضمن منظومة كذب متكاملة، ولأن البعض يعتقد ان السياسة هدف أو كذبة كبيرة، فإنه بالنهاية يتصور ان الناس يمكن ان تصدق مثل هذه الأكاذيب وتخرج إلى الشوارع تطالب بتعليق المشانق لكل من تآمر على مجاري بغداد!
يكتب عالم الاجتماع ماكس فابير،ان " المستبد الفاشل يحاول ان يلغي ذاكرة الناس، وينقلهم كل مرة، من نهاية أخرى إلى بداية جديدة. هي على حق بالأمس وعلى خطأ اليوم وعلى حق غداً، " غرقت بغداد في زمن صلاح عبد الرزاق وكامل الزيدي، ولم نسمع ان هناك صخرة استوردها المخربون للإساءة إلى منجزات مجلس محافظة بغداد، للأسف يعتقد البعض ان البقاء للأكذب وليس للأصلح. كل شيء يتحول تمويهاً وأكاذيب، أول شيء يفعله المستبد هو إلغاء التاريخ ومن ثم يصنع تاريخاً مزوراً لنفسه، ليُبقي كلّ مَن عداه بلا تاريخ.. ما سبقه تاريخ مجرم وما يعيشه مجد لا يزول.
اليوم أصبحنا تائهين ونتساءل؛ أيهما أخطر على العراق، مؤامرة الصخرة أم السيل العارم من المحسوبية السياسية والانتهازية والصراع على المنافع والمناصب وغياب الأمن ونقص الخدمات وتفشّي البطالة؟ هكذا وفي كل مرة يضعنا المالكي وحواريّوه أمام خيارين لا ثالث لهما،الفوضى أو السكوت، هذا الخيار يطرح في كل أزمة سياسية، طبعا مع الاشتباك الدائر حول أيهما أفضل للناس، أن يصبح مشعان الجبوري نائبا لرئيس الوزراء، أم يمنح هذا المنصب الفخري إلى الشيخ عبد الحميد الهايس، هل يجثو علاوي على ركبتيه يستجدي عطف المالكي لكي يعفو عنه أم يطرد لنبدأ مرحلة البناء والتنمية؟!