بهيجة الجميلة، فتاة فقيرة، تسكن العشوائيات في أطراف بغداد، يقع في حبّها، ابن مسؤول كبير في الدولة، يتعرف عليها أثناء تجواله في إحدى الدوائر، وبذكائها تستطيع إقناعه، بأن الزواج هو الحل الوحيد للقائهما؟ وهو يعاني كثيراً لإقناع أهله بهذه الزيجة، حتى وصل به الأمر أن هدّدهم بالانتحار إن لم ينل مراده. فيوافق أهله، ويطلبون منه أن يهيئ موعداً لاستقبالهم في حيّيهم، لخطبة بهيجة. أهل بهيجة مبتهجون لهذه القسمة، وعسى أن ينتشلهم عريس الغفلة من وضعهم المزري. ينتشر الخبر في الحيّ، وكلّ واحد منهم يتمنى كذلك مقابلة هذا المسؤول كيما ينتشله بالتوازي مع أهل بهيجة. وتتكاتف سواعدهم لمساعدة أهل بهيجة. فاللّباخ يتعهد بلبخ الحيطان لخاطر بهيجة. والنجار يتبرع بصناديق الشاي ليغلق فتحات بيت بهيجة. وأبو البواري والصباغ والبنچرچي يقسمون بالولاء لإنجاح عرس بهيجة.
تصل رسالة SMS إلى بهيجة (حبيبتي احنه الخميس جايين بموكب سيارات وحمايات للخطبة يعني بعد يومين)، تنطلق بهيجة بصرخة فرح لأمّها المشغولة بإخراج الخبز من التنور، وهي تلبس ثوباً قديماً وبالمقلوب كالعادة، لتبشرها بالموعد. فتعلوا هلاهلها لتحضن هلاهل الجيران، وجيران الجيران، ولينطلقوا إلى مركز الخبر، مجتمعين بدبكة وعزف على المتوفر من علب وتنكات. ومع الأهازيج، تأتي البشارة من السماء، بمطر جميل. فتكثر الصلوات على النبي المختار، والطلب من بهيجة أن لا تنسى العِشرة والجوار. لكن المطر لم يقف، واستمر مساء ذلك اليوم، وبهيجة جالسة أمام فتحة الحائط تتأمل زخات الأمطار. تستقبل الرسائل والرصيد، وتكتب الغزل للحبيب. وغفت على ذلك الحال. قامت مرعوبة فجراً على صوت الرعيد، وصراخ الوالد والإخوة والجيران. لقد تسلل الماء إلى البيوت، وطافت الشوارع والحارات، وسُمعَ صوتٌ من أقصى العشوائيات يستغيث بالويل والثبور. دخل الماء إلى بيت بهيجة وطافت القنفات والمواعين، وزحف أثاث البيت، وأهل بهيجة يتناوبون في إرجاع الأغراض.
والد العريّس دُعي إلى اجتماع طارئ للقيادة. اجتمعوا في خلية أزمة، وتلوا تقارير الاستخبارات والمخابرات والأمن القومي. وطرح والد العريس موضوع عرس ولده الميمون من بهيجة العشوائية، وتوصّلوا إلى أن هذه الفيضانات كانت بفعل فاعل. فالقوى الامبريالية والأجندات الخارجية وحلف الأطلسي، ومجموعة (5+1)، مصرّون على تفشيل المسار الديمقراطي للبلد. وأكّد مسؤول العلاقات في وزارة البرمائيات بأن تحليل الصور الأخيرة للأقمار الصناعية تؤكد وجود صخرة عدوانية تم زجّها في المجاري الديمقراطية للبلد. والعمل جار لكشف هذه المؤامرة وتفتيت الصخرة. انفضّ الاجتماع إلى دعوة رؤساء الكتل البرلمانية لمأدبة كاستر وجلي نادر، وحضور فيلم (ليلة القبض على الصخرة). ثم أعطي الضوء الأخضر لإتمام مراسيم خطبة بهيجة، كدعاية انتخابية لكتلة الحجّي.
المطر مستمر. اختفت الشوارع، وتعطلت العربات. وأعاد أهل الحيّ أمجادهم بصناعة المشحوف. والأطفال توسطوا الصطلات والطشت، وهم يمرون على بيت بهيجة. بنچرچي الحيّ نفخ عشرات الچوابة وأرسلها مع صانعه لبيت بهيجة، لتسهل حركتهم المائية بين الغرف وباحة الدار. وصل تأكيد من العريّس بعدم تأجيل الخطبة رغم تعاسة الأنواء الجوية. ولتكن خطبة مميزة، رومانسية مطرية. كل ذلك كتبه في آخر رسالة قصيرة للعروس.
المطر مستمر، زاد منسوب المياه، وزادت حيرة أهل بهيجة. فكيف يستقبلون الضيوف؟ وأين سيجلسون؟ فالبيت مغمور بالماء إلى حد طرف القنفات الخشبية التي ثبتوها بالأرض بفلنجات قديمة و أنصاف الطابوق. والمنضدة التي توسطت الهول وضعوا عليها نصف كيس طحين من الحصة التموينية، فيما قنادر أهل الدار ونِعالهم تسرح في الماء كأوراق الزنبق الجميلة.
وصل أعمام بهيجة وخوالها، على متن قارب من ناحية الشمال، يلوحون بعبيّهم وعصيّهم بالأهازيج والهوسات. فاستقبلهم أبو بهيجة وأولاده بالترحاب والچوابة. وكل نازل من المركب يتقرفص على الچوب ويسحبوه. ثم يربطوه بالحائط حتى لا يخذه السيل بعيداً، اكتمل الحضور من الأهل والجيران. ما بين متقرفص على چوب أو جالس في قدر هريسة أو مسرتخٍ على حائط البيت. وأبو بهيجة يرفض أيّ چوب يعرضوه عليه. بل ظل سابحاً طول فترة الاستقبال باعتباره معزّب. وكل لحظة ينادي بأحد أولاده: بويّه غُطّ لمّك وجيب چاي.
في طرف الحيّ كان سعد ينتظر الوفد الرئاسي وهو يطفو على صفرية قديمة. وكلما يسألوه: هل من شيء؟ فيجيب: ليس بعد. حتى بانت من بعيد جلجلة تصحبها أصوات محركات كبيرة. فأومأ إلى القوم بإشارة من كفه. فتعالت أهازيج الاستقبال مع دخول الموكب إلى مجرى النهر. قدموا بسيارات برمائية مصفحة، مع رتل من خفر السواحل والغواصين. نزل العريّس على كرسيّ طائف، بمعيّة اثنين من الضفادع البشرية. وسحبوه إلى باحة الدار. ثم نزل الوالد والبقية على أسِرّة طائفة، محاطين بكافة وسائل الراحة والأمان والتنشيف، واستقروا في باحة الدار. فيما لم يزل عمام بهيجة وخوالها مربوطين بالحائط خارج الدار. نادى أبو بهيجة بولده: وليدي غُطّ بسرعة لبيت سرحان وجيبلي حبل. أخذ الحبل وربط الچوابة وسحبهم على ظهره، فدخل هو وانحشرت الچوابة بالباب. هذا يقول: أنا أطب گبل. وذاك يقول: وسفه، آنه عمها الچبير ولازم أطب أول، وكادت أن تقع الفتنة بعدما تناوشوا العقال وهمّوا بضرب بعضهم بعضا. فتدخل أبو بهيجة وبدأ بسحب أقربائه وحسب الأولوية.
طاف القوم في باحة المنزل، كأسراب البط العائمة. وتناولوا أطراف الحديث وهم يترنحون، عن مكرمات الدولة، وانجازاتها الرائعة. وكشف لهم والد العريّس عن مؤامرة الامبرياليين والقوى الكبرى لخنق المجاري. أثناء كلام السيد المسؤول كان يخرج بين فينة وأخرى طفل من وسط الماء ويسلم عليه، ثم يغُطّ ويأتي غيره. حتى أتت أمّ العروس المربوعة، تطوف على الماء بثوبها الأسود وعِمّتها الكبيرة وسلّمت على الحضور، في سابقة لم تشهدها الأعراف والمواثيق العشوائية. فأراد أبو بهيجة تدارك الموقف، فقال للمسؤول: هذا فرس النهر استاد، صار يومين وصلنه.
وحين طلب المسؤول من أبو بهيجة التعرف على بهيجة وشرب الشربت. نادى الوالد على ولده: بويه غُطّ وجيب رضيعتك. قام أهل بهيجة بترتيب وضع بهيجة ليليق بالمقام، ولا تتبلل بالماء ويتشوه منها الهندام. فأجلسوها في ثلاجة قديمة بعدما خلعوا بابها، وثبتوا خلفها سلّة خضروات كبيرة كما الهودج، وجعلوها المركب المبارك. فقدم بها أخوها وهي تتمايل في خدرها كأنها باگة كرفس. لكنهم نسوا الشربت، فاستشاط الأب غضباً ونادى بولده: غُطّ ابني وجيب ابطالة الشربت كلها. ففتح الوالد قبغاتها. وأدارها كلها في حوض باحة الدار وهزّ نفسه مرتين وثلاثة وسط الماء. تسلق الحائط بعدها وقال لهم: فتحوا حلوگكم. ثم رمى بنفسه وسط الماء المُشَربَت فشرب الجميع، وصلّوا على محمد وآل محمد واتموا الخطبة.