مصير السلطة أهَم من مصير العراق

 

* لا أدري مِن أين البداية!... فالتفجيرات أصبحت ظاهرة يومية مألوفة، وهموم المواطن المغلوب على أمره تتراكم، ثُمَّ جاءت فيضانات الأمطار لتزيد من مآسي الفقراء، وفي خُضَمْ تلك الأوضاع المتردية لم نلحظ أحداً من أعضاء مجلس الإمّعات (النواب) الطائفي العشائري الإثني يقوم بجولات ميدانية ويشارك الملايين بمعاناتهم في محنتهم ويتّخذ إجراءات عملية بحق المسؤولين عن الخدمات. لكن الشغل الشاغل لأولئك النواب في الظروف الراهنة هو كيفية تأمين مستقبلهم ونجاحهم في الإنتخابات القادمة متناسين سلوكياتهم المخزية طيلة ثلاث سنوات ونصف، لا بَلْ إستهتارهم وإستخفافهم بالقوانين ألتي يقومون بتشريعها، فماذا يعني رفضْ 211 نائب بالكشف عن ذمَمِهم المالية! عدا فضائح تكاليف العلاج الطبي على حساب موازنة البرلمان (بسبب رواتبهم الشحيحة..مساكين!) .. بعد كل هذا، فهل يستطيع أي واحد من هؤلاء الطارئين أنْ يرفع رأسه بوجه الناس عامّة والذين أعطوه أصواتهم خاصةً؟. يبقى على السواد الأعظم من المكتوين بنار الحرمان والفساد أن يختاروا مِن يمثلهم في البرلمان القادم مِن الكفاءات العلمية الوطنية النزيهة بعيداً عن التأثيرات العاطفية بإستخدام ورقة العامل الطائفي والمتاجرة بإسم الحسين ومظلوميته ألتي تحوّلت إلى سلعة رخيصة يُراد منها الإستخفاف بعقول بسطاء العراقيين. 
* من المشاكل الخطيرة ألتي تهدّد وحدة العراق وإستقراره هي السياسة الممنهَجة لإقليم كردستان مع المؤسسات الإتحادية والعالم الخارجي من خلال التجاهل والتطاول على قرارات تلك المؤسسات، بحيث وللأسف أصبح الأقليم يمثل الخاصرة الهَشـة على الصعيدَين الأمني والإقتصادي للعراق! فعلى الصعيد الأمني، الحكومة الإتحادية لاتعلم ماذا ومَنْ يدخل ويخرج من المنافذ الحدودية البرية والجوية في الإقليم لكونها لاتخضع إلى سيطرة وإدارة الحكومة الإتحادية. أما على الصعيد الإقتصادي، فهنالك شواهد كثيرة، منها عدم إلتزام حكومة الإقليم بنسبة التعريفة الگمركية المقرورة من قِبل الحكومة الإتحادية، إذ أنها تفرض نسبة أقل على السلع الداخلة للعراق عن طريق تركيا مما يؤدي ذلك إلى إغراق السوق العراقية بالمنتجات الأجنبية، وهذا الإجراء هو بالضد من قانون حماية المنتوج الوطني المُشرَّع في البرلمان، إضافةً إلى أنّ المبالغ المستحصَلة من الكمارك لايجري إرسالها إلى وزارة المالية الإتحادية، إنّما تذهب الى خزينة الإقليم!!.. ومن الأمور الأخرة هي مسألة شراء السيارات الجديدة من قبل المواطنين، وبهذا الصدد أصدرَت وزارة الداخلية الإتحادية – مديرية المرور العامة قراراً يُلزِم كل مَن يريد شراء سيارة جديدة عليه أنْ يقوم بتسقيط سيارة قديمة، وهذا إجراء سليم، إذ أنّ عدد السيارات ألتي دخلت العراق بعد 2003 تجاوز المليون سيارة، وهذا الكم الهائل تسبّب بأزمة وقود في حينه وتلوث البيئة وإرتفاع درجات الحرارة، لكن حكومة الإقليم لم تلتزم بهذا القرار (تسقيط السيارات القديمة) فإنتشرت السيارات في جميع المدن العراقية التي تحمل أرقام – دهوك، أربيل، سليمانية. أمّا في مجال علاقات الإقليم مع الدول الخارجية، فقد قامت بفتح الممثليات والقنصليات الأجنبية من دون الرجوع إلى السلطات التشريعية والتنفيذية الإتحادية. لذلك تقوم حكومة الإقليم بعقد الإتفاقيات الخارجية مع مختلف الدول كدولة مستقلة (الند للند)، متجاهلة أخذ الإذن من الحكومة الإتحادية، وخير مثال على ذلك مسألة مَدْ أنبوب النفط من الإقليم إلى الأراضي التركية بدون موافقة وزارة النفط العراقية، إضافةً إلى مشاكل عقود النفط بين الإقليم والشركات الأجنبية ألتي هي خارج سياق إطار قواعد التعاقدات المقرورة في وزارة النفط العراقية. من هذا الأمر جلياً وهو أنّ الأحزاب الكردية وحكومة الإقليم مُتّفقة على فرض واقع جديد شاذ لايوجَد مثيل له في جميع الأنظمة الإتحادية السائدة في العالم ألا وهو – جمهــوريـة كردســـتان الإتحــاديـة وإقليــم العــراق!!!. 
* يواجه العراق ومنذ زمن بعيد مشكلة شحة المياه، لكن لانرصد أية تحركات جدّية في هذا المجال من جانب السلطة النفيذية بإستخدام أوراق الضغط الإقتصادية على كل من تركيا وإيران. مع تركيا يجب أن يأخذ الجيش العراق زمام السيطرة على الحدود الشمالية وإبعاد قوات البيشمركة إلى العمق العراق بمسافة 20 كم، مع عدم السماح لدخول البضائع التركية إلى العراق، وتركيا تعاني حالياً من إنكماش إقتصادي، إضافةً إلى عدم السماح للشركات التركية بممارسة نشاطها الإستثماري في العراق. عند ذاك يمكن إجبار الحكومة التركية على توقيع إتفاقية تقاسم المياه بصورة عادلة وإزالـة سَــد أليســو من الوجود. كذلك نفس الحالة يجب أن تكون مع إيران، فألأحزاب الشيعية ألتي تحظى بإحترام النظام الإيراني عليها أن تتحرّك بإتجاه إزالة السدود ألتي أقيمت على 23 نهر كانت جميعها تصب في العراق بما فيها نهر الكارون، فإنْ بقيت الحالة هكذا فإنّ حرب المياه قادمة لامحال.
إنّ المحصلة النهائية لهذا الواقع المُنهار يؤشر إلى أنّ القوى السياسية المشاركة في إدارة شؤون البلد هي غير جادّة في حل جميع المشاكل الداخلية والخارجية ألتي تهدد أمن وسلامة العراق ارضاً وشعباً، وتوجيه جهودها في الظروف الراهنة نحو التحضير لخوض الإنتخابات القادمة هي أهَم من مصير العراق وشعبه بحسب تقديرها.