موسيقيي باريس بين الإبداع والتشرد!!

 

 

 

 

 

 

محطات قطار الأنفاق أو المترو في باريس هي أماكن مثيرة    للإستغراب لان ما نراه ونسمعه فيها يقودنا الى التفكر والتأمل وطرح أسئلة كثيرة قد تتعب الرأس بل وتؤلم القلب في بعض الأحيان، فالواقع يختلف جدا بين تحت الأرض وفوقها، وكأن مآسي المجتمع الباريسي تختفي وراء البنايات رائعة الجمال والجسورالمذهبة والناس الأنيقين كي تظهر تحت الأرض من خلال المتسولين بكل أنواعهم والذين نجدهم في كل محطة من محطات المترو.

"أنا جائع" ببساطة عبارة مكتوبة على ورق المقوى يحملها المتسول أملا في عدة سنتات من المارين،هنا تجد أيضا المتشردين الذين يتخذون من المحطات ملجأ لهم ومن الصقيع الجو البارد الذي يؤدي كل سنة الى موت عدد منهم، تفوح منهم رائحة الكحول الذي يلجأون اليه هربا من واقعهم المر، فهؤلاء كان لهم منزل وعائلة وأطفال وما أن يتغير الزمن حتى يضحوا وحيدين دون أهل أو مسكن،وأحيانا ترى المجانين الذين ما أن يصادفهم المرء حتى يسارع الخطى للإبتعاد عنهم، كونهم في بعض الأحيان خطيرين يدفعون الناس من على الرصيف الى سكك الحديد ليؤدي القطار بحياتهم  .



لكن هذه الأجواء البائسة يتخللها عالم رقيق وكأنه نسمة هواء منعشة في جو خانق، عالم يعطينا إطمئنانا وراحة نفسية، على النقيض من العالم الآخرالقاسي. ألحان موسيقية تنبعث من كل مكان وفي كل محطة، أصوات شجية حال سماعها نتتبعها لنتعرف على صاحبها ونتمنى لو يستمر في الغناء طوال الطريق الى العمل.

موسيقيو باريس الذين يمنحون محطات المترو حياة أخرى، هم موسيقيون مختلفون يجذبون الناس بأجمل ما لديهم وبعطائهم السخي، ولكنهم مختلفون عن غيرهم ، فعندما نننتفل بين أرجاء العاصمة بالمترو قد نفاجأ بدخول الغجر داخل عربات القطارلعزف ألحان غجرية على آلة الكمان، ألتي يبرعون فيها ولدى الإنتهاء يطلبون من المسافرين بعض المال، ولكنهم أحيانا        

 يغضبون ويشتمون إن لم يقبضوا  شيئا. هؤلاء يتنقلون في العربات دون أي ترخيص من قبل شركة النقل، وعلى الرغم من أن شرطة المواصلات تمنعهم من ذلك ولكن دون جدوى.  

النوع الآخر من الموسيقيين هم موسيقيون محترفون يطلبون ترخيصا من شركة النقل للعزف في المترو ليس من أجل المال على الرغم من أنهم يضعون سلة أمامهم للحصول على شيء منه ولكن الأهم لديهم هو إيصال فنهم الى الناس، فأحيانا نجد مجموعة من الشبان الذين يعزفون ألحانا كلاسيكية بروعة وابداع شديدين يجبران المارة على التوقف بتلقائية ولو لبضع لحظات لسماعهم. أو مغنية عمياء تستحق أن تصبح مغنية مشهورة تغني لأديت بياف المغنية الفرنسية التي تعادل أم كلثوم في العالم العربي، والأمثلة لاتعد و لاتحصى.



 العديد من الموسيقيين الذين نلاقيهم هنا وهناك في المترو والذين لايودون إلا إيصال فنهم للعالم بأجمعه عسى ولعل أن يمر هنالك ملحن أو عازف مشهور كي يكتشف مواهبهم عارضا عليهم عقد عمل كما حدث مع الشاب كيزيا جونز الذي بدأ بالغناء في المترو كي ينتهي مطربا مشهورا  .

من هذا المنطلق، ومنذ عام 1997 تقوم شركة النقل الباريسية باجراء منافسات غنائية ما بين الكثير من المرشحين الذين يحلمون بالحصول على أذن منها للغناء في محطات المترو، التي يتخذها أربعة الى خمسة ملايين شخص يوميا وسيلة نقل رئيسة لهم ، أملا منهم بتسلق سلم الشهرة في يوم من الأيام....