سرّ ما خطر!! (5-6)... د.صادق السامرائي |
كان شارلمان وهارون الرشيد يتبادلان الهدايا واليوم أجد في فرنسا ما يشير لذلك العصر وفي بغداد إنمحقت العصور وغاب التراث واندثرت الآثار فلا هارون ولا مأمون فلماذا تقطعت أوصال وجودنا وتفاعلت إرادة وجودهم؟
أين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا أبعاد الزمن نختصرها بما مضى وما انقضى!
سألتْ شوارع باريس عن أحوال شوارعنا فتجهم وجه شارع الشانزليزيه وارتعبت أعمدة العمران العتيقة الجديدة وسألتني عن شارع الرشيد فرأيتني صامتا يشير إلى عدوان على الهوية والتأريخ!
لماذا ما عاد التأريخ يمشي في شوارعنا ولماذا أنجبنا أعداء وجودنا ولماذا نتمتع بالأضاليل الرائجة؟
البطولة هنا والأزمان شامخة ترفرف راياتها على رؤوس الأشهاد ورجالات مسيرة الأجيال حاضرون بعنفوان إرادة زمانهم فلماذا عقرنا إرادة أزماننا؟
يؤمنون بذاتهم ودورهم ويعشقون طاقات الإنسان الأصيل الرؤى وينهلون من نهر الأمجاد!
-6- أتجول في مدينة (هنوفر) الفرنسية القديمة كمدينة سامراء لكنها تحتفظ بآثارها ودلالاتها التأريخية البعيدة إنهم يصونون تأريخهم , ونحن نهدم تأريخنا هنا بيوت سحيقة القدم وكنائس غابرة التأريخ وطرز عمرانية ترقد على وسادة عشرات القرون وأزقة ودرابين إن فيها كل ما كان عندنا لكننا فقدنا ما عندنا وأداموا ما عندهم لأنهم يفكرون ويبدعون ويحترمون ترابهم وأجيالهم وينطلقون بمناطيد أفكارهم إلى أبعد من المكان!
ما وجدت في مدينتي ما كنت أعهده في صباي فقد ذهبت المعالم وغابت الموجودات لا نهر , لا مكتبة , لا نادي لا سوق , لا بيوت كنت أعرفها كل شيئ إنجرف وأخذته سيول الجهالة وتيارات الإهمال والنكران إلى وديان النسيان فكانت ذاكرتي بلا عنوان!
أعجبني الإنسان الذي يعشق أرضه ويطلق ما فيه من روائع الفتنة ويزرعها خالدة في المكان وأدركت ان الوجود الحقيقي لا يمكنه أن يكون إذا تجرد من العشق الخلاق لأروقة الذات المبذورة في تربة المكان!
كان صديقي يحدثني عن الغرام وحسبته يتكلم عن حبيبة آدمية لكنني عرفت بأنه يريد التعبير عن هيامه بسحر الأرض وبروعة المشاهد وتموجات الأيام على أفق الصباح الساحر بالألوان!
|