قبل ان تهطل الامطار على بغداد بموجتها الاولى الاسبوع الفائت كانت اليات ومكائن احدى شركات المقاولات الانشائية تعمل على انهاء تبليط احد شوارع بغداد الرئيسية والمهمة والتي تربطها بالطريق الدولي المؤدي الى شمال العراق . ورغم المعاناة التي عشناها منذ اوائل الصيف والزحام الشديد الذي كان السبب فيه العمل المتلكأ في هذا المشروع الا انا كنا نصبر النفس بان هذا الانجاز ستكون فائدته للمواطنين والمسافرين اهم من تاخرنا لساعات قليلة ستنتهي بانتهاء الشركة من اعمال التعبيد وفعلا انجزت الشركة اعمالها قبل ايام قليلة من موجة الامطار الاولى التي اجتاحت بغداد الاسبوع الفائت وافتتح الطريق بتبليطه الجديد ميسرا لحركة السير وانسيابيته من دون مطبات او معرقلات تعودنا عليها منذ اكثر من عشر سنوات لكن الماساة التي تضحك وتبكي في ذات الوقت والتي لا اظن ان لها شبيها في كل بلاد الله الواسعة فبمجرد ان هطلت الامطار ليوم وبعض يوم حتى انقلب ذلك الشارع الذي صرفت عليه ملايين وربما مليارات الدنانير انقلب من شارع معبد الى شارع رملي وطيني !!! وانكشفت بعد ايام قليلة حفره ومطباته القديمة وقد صارت اكبر واكثر اتساعا وعمقا . لقد مررنا في العام الماضي بموجة امطار شديدة عانى المواطن والدولة على حد سواء من اثارها ورصدت الحكومة اموالا طائلة لمواجهة الازمة التي استمرت اثارها اشهرا عديدة ونالت توابعها اغلب محافظات العراق وأثيرت التساؤلات والانتقادات عن مصير الاموال التي تخصص كل عام لإنشاء المشاريع الخدمية ذات المساس بحياة المواطن العراقي ومنها مشاريع الصرف الصحي وهي اموال لم تنجح في تلبية المتطلبات المرصودة من اجلها رغم ضخامتها . وليس خافيا على احد ان هذا التناسب العكسي بين الاموال المصروفة والخدمات المقدمة في مقابلها والتي من المفروض انها تتقدم وتتطور سنويا بما يناسب الانفاق المخصص لها كل عام له سبب واحد لم يتغير بل ويتزايد اتساعه وخطره يوميا ومستمر منذ عشرة اعوام . الفساد هو السبب وهو الذي بسببه يتنامى الارهاب وتتنامى بسببه اموال الفاسدين والمفسدين وبالجانب الاخر يتزايد الموت والفقر والتخلف وتردي الخدمات وهو اليوم ظاهرة عامة وخطرة لم يعد ينفع معها المعالجات الروتينية والاقوال التحذيرية بل تحتاج الى معالجات جذرية واستئصالية حاسمة . نحن نفهم ان الفساد هو جريمة كبرى يعاقب عليها القانون وهو كذلك ظاهرة اجتماعية خطيرة يرفضها المجتمع والمفروض في المفسد ان يكون خائفا وجلا من سطوة العدالة وانتقامها كذلك الخشية من السمعة الاجتماعية المرفوضة التي يتجنبها الناس ويتجنبوها لكن العجيب في العراق ان هؤلاء الذين عاثوا في وطننا فسادا وفي اموال شعبنا سرقة ونهبا وبالراي العام استهزاءا لايخافون سطوة احد ولا حتى انتقام رب العزة والجلالة منهم بل تجدهم يتنقلون في فسادهم وسرقتهم من مجال الى اخر ومن صفحة الى اخرى مبددين الاموال والثروات باصرار عجيب وجراة وصلافة تزداد بزيادة ما يسرقوه منا ليست القضية بالجديدة ولا بالغريبة ونحن نرى ونسمع ونقرا كل يوم عن انتشار هذه الجريمة انتشارا تزكم رائحته انوفنا ويعتصر الاصرار عليها قلوبنا لكن الغريب والمستغرب ان كل الحملات والمطاردات والملاحقات القانونية التي قد تلاحق هولاء السراق والمفسدين لا تات بثمرة ولا تحقق نتيجة ولاتاتي بؤكل . لقد سبق لمجلس النواب ان استجوب الكثير من الوزراء والمسؤولين الذين تلاحقهم تهم الفساد والسرقة ولم تقف هيئة النزاهة مكتوفة الايدي امام ما تجده من ادلة وقرائن تدلل على تورط السراق بجرائمهم ولم تخلو صحيفة او جريدة او فضائية او موقع الكتروني من نشر وتشهير وعرض لجرائم المفسدين الا ان النتيجة المتحققة من ذلك كله كان يعتبر صفرا على الشمال ولم يحقق شيئا يذكر من مكافحة الفساد او الحد منه . كل ذلك له اسباب عديدة لااظنها غائبة عن علم الحكومة ولا عن وعي الراي العام والجماهير فالاحتماء بالاحزاب السياسية او الجماعات المذهبية وحتى القبائل والاسر والشخصيات التي لها اهمية اجتماعية او دينية هو احد الاسباب المهمة لتلاشي الجهود في مكافحة الفساد ومحاربته ثم ولان الفساد يكاد ان يكون ظاهرة عامة الا ما رحم ربي فانه كذلك اصاب وبقوة القائمين على مكافحته فصار الحامي حرامي كما يقال واصبح تكليف احدهم في التحقيق بملف لمفسد ما غنيمة يستغلها بعض المحققيين لابتزازه ومقاسمته للسرقة مقابل التواطيء وتزييف الحقائق وخداع الحكومة ليملأوا جيوبهم باموال السحت وقوت الفقراء . وتكاد تكون الامطار التي هطلت على بغداد خلال الايام الماضية فضيحة لهؤلاء وبغض النظر عن الحالات شبه الفيضانية التي حصلت في كل محافظات العراق فقد كشفت ضعف الكثير من الانشاءات والبنايات والمشاريع التي صرفت عليها الدولة مليارات الدولارات وضاع من اجلها الكثير من الجهد والوقت فمدارس لم يتعدى عمر بنائها الاشهر تشققت جدرانها وسقوفها وشوارع وارصفة لم يكمل عمر بناؤها اشهرا قليلة انهارت وتفتت اركانها وانفاق صرفت لترميمها الملايين غرقت بمياه الامطار ومارب انشئت لتنظيم النقل تكاد ان تنهار وتهدم ناهيك عن غرق احياء كثيرة ودخول مياه المجاري الى دور وبيوت الفقراء من اهالي مدينة الصدر واحياء شرق بغداد . والاخطر والابشع فسادا وافسادا ان يعلن رئيس الوزراء عن وجود مؤامرة يقودها خصوم سياسيين لاغراق مدينة بغداد بغية احراج الحكومة . هذا التصريح الخطير لا اظنه جاء اعتباطا ولا هو صادر عن جهة غير مسؤولة وقد اكده بعض الموظفين العاملين في المؤسسات المكلفة بهذا الملف وهو يؤشر الى حالة لايمكن ابدا السكوت او التغاضي عنها فبغض النظر عن مدى تصاعد الخلافات السياسية بين رئيس الحكومة من جهة والفرق السياسية المنافسة من جهة اخرى الا ان هذا التصرف ان صح فهو لايستهدف الحكومة كما يظنون بل هو يستهدف ابناء هذا الشعب المسكين وبالذات الاحياء الفقيرة والمعدومة التي هي اكثر المتاثرين والمتضررين من الذي حصل في بغداد خلال الايام الماضية وهو نوع من انواع التخريب والفساد بل لايقل خطورة عن افعال الارهاب التي تستهدف المواطنين الابرياء . الامطار الغزيرة التي سقطت على احياء بغداد واغرقتها دليل على فساد لايمكن ابدا ان يمر دون حساب وعقاب وتعطيل محطات الصرف الصحي هو نوع من انواع التخريب من الواجب تقديم فاعليه الى العدالة . ان المفسدين الذين بسبب فسادهم كادت ان تغرق بغداد ومن سعى الى تعطيل اعمال مضخات الصرف الصحي قاصدا متقصدا لهذا الفعل لايقل خطره ابدا عن جريمة خيانة الوطن والشعب لانه بعمله هذا يستهدف ابناء الشعب العراقي قبل الحكومة ثم ان كونه موظفا بخدمة عامة يستدعي منه الاخلاص لعمله واداؤه بالشكل الامثل والتقصير في اداء الوظيفة الذي يستتبعه الاضرار بالمصالح العامة لاتقل جريمته كذلك عن جريمة الارهاب والتخريب وكل هذا ما كان ليحصل لولا فساد سريرته وذمته سواءا كان ذلك التخريب المقصود مقابل الرشوة او هو فعل له علاقة باتجاهاته وعقائده السياسية والحزبية . المفسدون عرتهم امطار سماء بغداد ولا بد ان يعريهم ويفضحهم اهل الارض ليكونو عبرة لكل من يريد بالعراق سوءا.
|