التربية والتعليم أولاً

 

طالبٌ في المرحلة الإعدادية ، في مدرسةٍ مُختلطة هنا في مدينتي ، قامَ ب " الغِش " في الإمتحان في السنة الماضية ، فقَدمَهُ المُدرِس المُراقب ، للمُدير .. وصدر أمر رسوبه في تلك المادة ونقله الى مدرسةٍ أخرى . علماً ان الطالب المذكور ، يُعاني من السمنة المُفرِطة ولديه مشاكل نفسية .. لم ترضَ إدارات العديد من المدارس ، قبول الطالب ، بعد الإطلاع على مَلّفه .. وإحتارَ ذويه في أمره . ولحد اليوم ، يقوم الطالب بين الحين والحين ، بالذهاب الى مدرسته الأصلية التي طُرِدَ منها ولا سيما في فترات الإستراحة بين الدروس .. ولقد تّسببَ في شجارٍ عنيف قبل أيام في " الحانوت المدرسي " ، كادَ ان يتحّول الى مأساة . 
تلميذُ آخر ، في الصف السادس الإبتدائي ، يُعاني من بُطأٍ في النمو العقلي .. ومُستواهُ أقل كثيراً من أقرانه في المدرسة .. ومن الطبيعي ، أنه يتعرَض للسُخرية والتهكُم ، يومياً ، من التلاميذ ، ويعتبرونه مصدر تندُر .. بحيث ان حالته تزداد سوءاً . " المُضحِك المُبكي ، ان هنالك شُبه تواطؤ بين الإدارة والمُعلمين ، على إنجاح الطالب ، لكي ( يتخلصوا ) منه ويعبر الى المُتوسطة !!" .
تلميذة في الرابع الإبتدائي .. جاءتْ الى الصف وهنالك جُرحٌ صغير في وجنَتِها .. ولما سألتْها المُعلمة ، عن السبب وهل تعثَرت ام تشاجرتْ أم ماذا ؟ أجابتْ باكِيةً : أن أبوها ضربها ! . فإتصلتْ المُديرة بالأب وطلبتْ منه الحضور . جاء الأب وقال : ان والدتها توفِيَتْ العام الماضي .. وتزوجَ قبلَ أشهُر .. لكن هذه المفعوصة ، التلميذة هنا ، تُسبب الكثير من المشاكل والإزعاجات ، لزوجة أبيها ، مما يضطرهُ أحياناً لتأديبها ، لكنه يعتذر لأنه لم يكن يدري ان الجرح واضحٌ في وجنتِها ! .
..........................
أعلاه .. مُجّرد نماذج لحالاتٍ كثيرة مُنتشرة .. فلا تكاد تخلو أي مدرسة هُنا وفي كافة المراحِل الدراسية ، من تلاميذ بطيئي النمو العقلي ، أو طلبة يُعانون من أمراض نفسية ، او يئنون تحت وطأة مشاكل إجتماعية . كُل هؤلاء بحاجة الى رعايةٍ خاصة وتعامُلٍ إستثنائي ، لكي يتحسنوا تدريجياً ، ويعودوا للإنخراط في محيطهم . وهذه الرعاية بحاجة الى ما يلي :
- تعيين الباحثين الإجتماعيين وإختصاصيي علم النفس التربوي ، في المدارس بكافة مراحلها ، وإناطة واجب مُراقبة الصحة النفسية للطلاب ، بهم .. ومُعالجة الحالات حسب الفئات العُمرية ، بالتنسيق مع الأهل ، وفق الأساليب العلمية . وتوفير البيئة المُلائمة لإنجاح عمل هؤلاء " وليسَ كما يحدث الآن ، حيث انه حتى في الدارس القليلة التي يتواجد فيها الإختصاصيون الإجتماعيون والنفسيون ، فأنهم أحياناً يُكلفون من الإدارة بأعمال بعيدة عن إختصاصهم " .
- ينبغي عدم اللجوء ، الى فرض العقوبات القصوى إلا في الحالات النادرة والميئوس منها تماماً .. والتفكير مُسبقاً ، بالمُضاعفات التي قد تصيب الطالب ، إجتماعياً ونفسياً ، وتداعياتها . " مثل القصة المأساوية للطالبة التي إنتحرتْ قبل سنتَين ، لأن الإدارة عاقبتْها بالفصل لثلاثة أيام لسببٍ تافه " .
- فتح مدارس خاصة ، أو على الأقل صفوف ، للطلبة والتلاميذ البطيئي النمو .. ومُعاملتهم بطريقة لاتُشعرهم بالحَرج او التمييز . إذ ان ترك هؤلاء كما هُم الآن ، وسط مُحيطٍ من الساخرين والعابثين .. يُفاقِم من حالاتهم ويُشعِرهم بالنقص .. في حين انهم لاذنبَ لهم في ماهُم فيهِ .
- مُضاعفة ميزانية التربية والتعليم ، وإعادة النظر في النظام التربوي عموماً : زيادة رواتب المعلمين / رفع المُستوى العلمي للكادر التعليمي / تطوير المناهج / تحسين الأبنية المدرسية لتواكب العصر الحديث / الإهتمام بالرياضة المدرسية والفنون والموسيقى والرسم / عدم تدخُل الأحزاب بالشؤون التربوية ورفع الوصاية عنها ، وجعل الكفاءة والنزاهة ، معياراً للإدارة .
.................
بلا نظامٍ تربوي وتعليمي راقٍ .. بلا مُعلمين أكفاء .. بلا مُرّبين حقيقيين .. لن نبني إنساناً مُعافى جديراً بقيادة المجتمع في المرحلة القادمة .