التقارب الامريكي الايراني على حساب من ..؟؟ |
عند العداوات السياسية العميقة لا تنفع الوساطات لإعادة المياه الى مجاريها ، حتى وان عادت فان عودتها تبقى تلفها الغموض والحذر، لان الخلافات الناجمة عن الاختلاف في وجهات النظر تتحول عادة بمرور الوقت الى صراع ، اذن هذه هي السياسة ومجرياتها منذ امد بعيد التي لا تأخذ مجراها الا على اساس المصالح الاقتصادية التي تدر بالفوائد المادية اولا ثم السياسية ، لان المصالح السياسية وحدها لا تكفي للنهوض بواقع العلاقات الدولية والاقليمية التي تسعى كل طرف لضمان مصالحها الاقتصادية التي بدونها تبقى كل العلاقات الأخرى بمثابة علاقات سطحية التي لا تعيش الا على الهامش... لذلك فحين زجت الولايات المتحدة الامريكية بجهدها العسكري والمخابراتي في مواجهة ايران بعد سقوط امبراطورية محمد رضا البهلوي في عام 1979 ، اصطدمت هذه الدولة القوية بعقلية دينية سياسية عرفت كيف تبني ايديولوجيتها الفكرية ، وكيف تهيء مستلزمات الدفاع والمواجهة مع امريكا بشكل خاص ودول الغرب عموما ، في وقت وايران بعد نجاح ثورتها الشعبية عام 1979 وضعت نفسها على خط المواجهة الفعلية مع امريكا حين اقتحم الشباب الثوري الايراني مقر السفارة الامريكية في طهران ، وحجزوا جميع موظفيها كرهائن ، هذه العملية وضعت الادارة الامريكية نفسها في دائرة البحث عن الخطط والبرامج التي تقل من شانها ان من خطورة دولة ايران واستراتيجيتها المستقبلة في المنطقة ، وتحاصر دورها ضمن رقعة جغرافية معينة تمكنها من احتواء تلك المخاطر من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية ، وهذا يعني ان المخاوف الامريكية من ان تتحول ايران الى قوة اقليمية مضادة لمصالحها في المنطقة كانت من اهم الاسباب التي اشعلت الحرب العراقية الايرانية عام 1980 والتي دامت لثمان سنوات ارهقت بها امريكا اقتصاد الدولتين جارتين ، وشلت بها تحديدا دور العراق في المنطقة حين اراد ان يجعل من الطاقات الاقتصادية العربية سلاحا ضد الهيمنة الامريكية على دوائر القرار للأسر الحاكمة في منطقة الخليج العربي ، والتي دفعت مخاوف حكامها من ايران الاستعانة بالأساطيل البحرية الامريكية لضمان بقاء نظمها السياسية الحاكمة ... على العكس من كل ذلك ادركت ايران حجم اللعبة الامريكية بعد انتهاء حربها مع العراق ، فراحت تمارس سياسية ضبط النفس ازاء كل المجريات التي عصفت بالمنطقة بدءا بالغزو العراقي للكويت ، وبدأت تتحين الفرص بعد وقف حربها مع العراق مباشرة لتمرير مخططاتها الهادفة بالشأن العراقي حتى اتيحت لها ذلك حين وقع الجيش العراقي تحت رحمة الطيران الحربي الامريكي عند انسحابها الغير المنظم من الكويت ، وانشغال قادتها بترتيب عمليات هروبهم من الجحيم الامريكي ، وبعيدا عن كل التوقعات والاحتمالات الأمريكية فاجأت ايران هذه الدولة القوية وحلفاءها في عملية عاصفة الصحراء بزج بالمقاتلين الايرانيين بما في ذلك فيلق القدس الايراني للتدخل لإيجاد موطئ قدم لها في العراق ، ونفذت مرحلتها الاولى بنجاح تام بمساعدة الاطراف الشيعية الموالية لها وسط فوضى عارمة حين سقطت كل المدن الجنوبية للعراق ، التي سببت في انهيار كل مؤسسات الامنية والاستخبارية التابعة لصدام في تلك المدن..... الا ان العقلية الامريكية التي ادارت دفة الحرب في تلك المرحلة فضلت الوقوف فورا على مشارف بغداد دون دخولها ، بسبب الزحف الايراني المنظم الذي استطاع ان يغير موازين القوى لصالحه ، ولكن في النهاية اصطدم بعقلية سياسية امريكية غير متوقعة التي اعطت الضوء الاخضر لصدام حسين باستخدام كل امكاناته العسكرية والبشرية لإفشال المخطط الايراني ، بل ووضعت امكانات سلاحها الجوي لضرب التجمعات الايرانية داخل مدن الوسط والجنوب مما مهد السبيل مجددا بالسيطرة المطلقة لقوات نظام صدام حسين الذي استعان مجددا ، وتحت الخيمة الامريكية بأجهزته الامنية والمخابراتية للسيطرة على مقاليد الحكم خصوصا بعد ان تركت المعارضة الشيعية معاقلها في الجنوب والوسط ، بل ووقعت العديد من انصارها في قبضة هذه الاجهزة ، واعدامهم باشع صورة مما دفعت بإيران الانسحاب من داخل العراق بانتظار ما سيتمخض عنها الاوضاع لاحقا ، بالمقابل انسحبت القوات الكوردية أمام شدة الضربات التي وفرتها الادارة الامريكية لهذه القوات بهدف السيطرة على الاوضاع ، وملء الفراغات الناجمة عن الانهيار المفاجئ للقوات العراقية ، والتي سببت في نزوح اكثر من مليوني مواطن كوردي من مناطقهم نحو المناطق الامنة على الحدود مع تركيا وايران .... واليوم فان التقارب الامريكي الايراني الحذر لها اسبابها واهدافها ، خصوصا والازمة السورية قد غيرت الاستراتيجيات السياسية للقوى الدولية والاقليمية في المنطقة ، وان ايران تسعى بكل ما اوتي من قوة ان يحمي النظام السوري من السقوط لضمان عدم تكرار تجربة الاخوان في مصر ، فيما تحاول امريكا الوقوف بوجه المد الايراني الزاحف الذي يشكل بلا شك من اقوى الاوراق الضاغطة على اسرائيل ، مما يدل ان التوتر الحاصل في العلاقات الامريكية الايرانية بسبب تطوير ايران لمنشأتها النووية ،ومخاوف احتمال حصولها على اليورانيوم المخصب هي التي دفعت بالولاية المتحدة الامريكية ان تكسر حاجز الكساد في علاقاتها مع ايران ، بعد ان فشلت العقوبات الاقتصادية في التاثير على استراتيجيتها الخاصة بترسانتها العسكرية ، بل وفشلت كل محاولات خضوعها للضغوطات الدولية التي زادتها من قدرة فرض وجودها في المنطقة كقوة اقليمية لها بصمتها الدالة على سير الاحداث ، في وقت وهي تحظى بعلاقات جيدة مع الصين وروسيا كعضوين دائمتين في محلس الامن الدولي ، ويمتلكان حق النقض (فيتو)على قرارات المجلس ، وكوريا الشمالية ذات البلد النووي التي باتت تشكل خطرا قويا على كوريا الجنوبية الحليفة القوية لأمريكا ، لذا نعتقد ليس بمستبعد ان تحاول الولايات المتحدة الامريكية باتجاه فتح صفحة جديدة مع هذه الدولة اذا ما سمحت بوضع منشاتها النووية تحت اشراف دولي ، كما رضخت ايران للإرادة الدولية بهذا الشأن .... وبذلك فان المتغيرات في طبيعة العلاقات الامريكية والايرانية والتقارب في وجهات النظر حول بعض نقاط الخلافية بينهما تحكمها اعتبارات عدة مرتبط اساسا بنمو الدور الايراني ودوره في رسم الاحداث في المنطقة ، ومن ثم نفوذه القوي في سوريا الذي اربك دوائر القرار في الدول الخليج المتعاطفة مع السياسة الامريكية ..... اذن فان المتضررين في التقارب الايراني الامريكي لا ينظرون من ثقب نافذة صغيرة لما آلت اليها المتغيرات المتسارعة بمن فيهم اسرائيل التي تراقب الحدث بعناية لتفادي اية مفاجآت غير متوقعة على المدى البعيد ، بل يسعون الى معرفة الجوانب الخفية في طبيعة هذا التقارب ، وعلى حساب من ..؟؟ |