حديث الإصلاح

 

 

 

 

 

 

 

الإصلاح ليست كلمة عابرة تحشر في الخطب للمباهاة او لذر الرماد في العيون وانما هي مشروع متكامل وطريقة تفكير ورؤية متقدمة للحياة وللمجتمع ترى مالا يستطيع ان يراه الكثير من الناس .

لم يكن طريق الإصلاح معبداً في اي مكان قصده المصلحون ، بل كان مليئاً بالأشواك والسيوف والسهام والبنادق ، فدفعوا ارواحهم ثمناً لذلك في كثير من الأوقات .

ان طبيعة المجتمعات في اي زمان ومكان هي ان تنظر للمصلحين بريبة وبشك وتقف ضد مشاريعهم وتتعامل معهم بخشونة وبعنف ، لكن المصلح الحقيقي دائماً ما يمتاز بالشجاعة والإقدام ولو غضب عليه حتى اهله ورفاقه وابناء جلدته ، ولو تخاذل عن نصرته الناس وامتنعوا عن السير في ركبه ، لكنه يبقى متمسكاً بمشروعه ولن يحيد عنه .

انه الفتح العظيم كما يصفه الإمام الحسين حين قال " من لحق بنا استشهد ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح " ، فكانت نظرته للاصلاح في ذلك الزمان والمكان وظروفه المحيطة بضرورة الوقوف بوجه الحاكم الظالم والفاسد ، لكن دعواته تلك قوبلت بمنعه وعائلته من ابسط الحقوق ، حُرم اطفاله من الماء وقتلت عائلته وسيقت نساءه كسبايا .

استشهد لكنه مازال حياً يلهم الأحرار بالمعاني السامية .

لقد مات غاندي ذلك المصلح الشجاع الذي مازالت طريقته اللاعنفية تلهم الشعوب برصاص المتشددين الهندوس حين لم ترق لهم دعواته بضرورة احترام حقوق الأقلية المسلمة فأطلق ناثورم جوتسي ثلاث رصاصات ليرديه قتيلاً في نهاية المطاف بعد ان تحمل غاندي السجن وجوع الصوم لأيام طويلة وصارع البريطانيين والمتشددين من ابناء جلدته في وقت واحد .

مانديلا ايضاً ، الجنوب افريقي الذي استطاع بحكمته ان ينتزع بلاده من اتون حرب اهلية وخراب بعد سقوط نظام الفصل العنصري ومالاقاه من عذاب على يد ذلك النظام ومن ضغط كبير من المتشددين الأفارقة بعد ذلك لكنه استطاع ان يقاوم وينقل بلاده لضفة السلام والأمان .

مارتن لوثر كينغ ، الأمريكي الأسود ، والذي استطاع ان ينتزع الكثير من حقوق السود في مسيرة اصلاحية صاخبة وملهمة للمجتمعات المختلفة بعد ان واجه الكثير من المشاكل من البيض والسود في نفس الوقت ، اذ لم يكن البيض وحدهم من يرفض خطابه وانما كان هناك عددا كبيراً من السود ينظرون له بريبة ويرفضون ما يدعو له ، حتى تم اغتياله من متطرف ابيض يدعى جيمس إرل راي .

طريق الإصلاح ليس سهلاً ، انه يجلب المتاعب والأعداء وينذر بالموت ، لكنه يبقى مغرياً للكثير من الشجعان الذين يؤمنون بقدراتهم ويعتقدون بضرورة اصلاح احوال مجتمعاتهم وينشدون العدالة ورفض الظلم .

ربما سيتعرضون لحملات شعواء من اجل التشويه وسيتعرضون للمصاعب وسيحرمون من الكثير من الأشياء لكن اهدافهم تبقى مغرية وبراقة دائماً .

في النهاية سيذهب المتشددون الى المزابل فيما سيطرز التاريخ بحروف من ذهب اسماء اولئك الأفذاذ ، ليكونوا مدارساً تلهم الشعوب والأفراد ؛ ان لا مستحيل امام الإرادة الصلبة وامام العدالة وامام السلام .