" ضروري بين فترة وأخرى أن نقوم بزيارة أو حركة حتى نوفر مادة للسياسيين والإعلاميين والفضائيات يلوكون بها.. الآن إلى ان ينتهوا من زيارة أمريكا " راح نسويلهم " زيارة ثانية حتى ينشغلوا بها " وحين يسأله المحاور إلى أين سيذهب ؟.. يقول بكل ما أوتي من فنون الإضحاك: " نشوف " المسافة هنا بين " الهزل " و " الجد "، قصيرة إلى حد لا تعرف هل هذا الحديث " سخرية " أم " حوار تلفزيوني " يصف به نوري المالكي قصة زيارته إلى أميركا، الزيارة التي تتحول كل يوم مع ألغازها المدهشة، إلى واحدة من الحكايات الخرافية. تخيلت بعد سماعي حديث المالكي، أنه مسودة حلقة من حلقات برنامج "البرنامج" للإعلامي المصري باسم يوسف، أو مكتوب ليكون مادة خام لسخريات يحاول بها البعض من السياسيين مواجهة فشل متواصل في أداء وظيفته الحكومية. العبارة قالها رئيس مجلس الوزراء بجدية دون أن يبتسم، لكنه في الوقت نفسه يريد إثارة الضحك عند العراقيين والسخرية من تساؤلاتهم حول ما جرى في كواليس زيارته إلى واشنطن. ما قاله المالكي، جعلني أعترف بأن في هذه البلاد ما يضحك، وبأننا شعب نجيد فن النكتة، على عكس ما يشاع عنا، وأن بإمكاننا أن ننفجر، في ضحكة عالية، سرعان ما تتحول شيئا فشيئا إلى قهقهات، ثم إلى زئير. وإذا ما سُئلنا بعد سنوات عن سبب ضحكنا، سنجيب بكل بساطة: آسفون إننا لم نفهم النكتة جيداً! ولهذا أعتقد أن السيد رئيس مجلس الوزراء يستحق بجدارة لقب الشخصية العربية الأكثر فكاهة، وهذا من باب التفسير "ليست تهمة"، ونجوميته يمكن أن تتفوق على نجومية باسم يوسف الذي عجز خلال حلقات برنامجه "البرنامج" أن يطلق نكتة بمثل خفة ورشاقة ودعابة ما قاله المالكي في حواره مع قناة الحرة. السخرية فن تنشيط الذاكرة كما يخبرنا صاحب كتاب الضحك هنري برجسون، ولهذا يريد منا المالكي وهو يسخر من السياسيين والإعلاميين أن ينبهنا إلى أن ما يجري على الأرض لاعلاقة له بدولة المؤسسات.. ولو وضعنا هذه العبارة بجوار ما تصرح به مجموعة المقربين من رئيس مجلس الوزراء سندرك أننا بصدد لعبة خطيرة تقوم على تفسير الوقائع والأحداث بما يتلاءم مع الظرف الذي يمر به رئيس مجلس الوزراء. يبدو أن البعض لا يريد لصورة القائد الضرورة أن تغادر الذاكرة العراقية، فبدأ من الآن يضع نهاية للمسلسل السياسي العراقي، نهاية يظهر فيها القائد الأوحد وهو يبتسم ويطمئن شعبه أن كل شيء يسير بالاتجاه الصحيح، وان مؤامرات الإمبريالية وأعوانها ستقبر إلى الأبد، وينتهي المشهد بتصفيق حاد من المشاهدين المساكين الذين تنطلي عليهم اللعبة، والذين لا يعرفون حتى لحظة الحوار التلفزيوني، كيف يتخذ القرار في العراق؟ ونعني هنا القرارات التي تمس حياتهم وأمنهم ومستقبلهم، ومن المؤكد أن أعضاء في مجلس النواب هم مثلنا نحن المساكين تفرجوا على ما قاله المالكي، وأنهم مثلنا أيضاً يفاجأون بمعظم الخطوات التي يتخذها رئيس مجلس الوزراء،فان الذين يعرفون ببواطن الأمور وبما سيصدر من قرارات هم فقط مجموعة صغيرة من الدائرة الضيقة المحيطة به، بعد ذلك سيجد أي قرار مهما كان مصيرياً طريقه للاعتماد عبر تصريحات من المقربين يهللون ويطبلون ويعتبرون ما حدث إنجازاً سيضاف إلى الإنجازات الكثيرة التي أرهقت المواطنين خلال السنوات الماضية. هل يستحق المواطن كل هذه السخرية؟ ألا يكفيه الإهمال والذل والقهر وغياب الأمن والخضوع إلى الأبد، والحكم عليه بألا يناقش في شيء؟! فمتى وجدنا مواطناً يناقش؟ متى وجدنا من يعترض على عصمة رئيس مجلس الوزراء وقداسة منصبه؟ يعتصم عشرات الآلاف في الساحات، فيكون الرد جاهزاً:إنها مسألة "فقاعات" وستنتهي.. كأنما المسألة مشهد في برنامج كوميدي.. لا مصير بلد ومستقبل مواطنين! والآن هل وصلنا إلى مشهد النهاية.. وأن الدولة خطفت بالفعل.. وأن حياة الناس ومستقبلهم تقررها عبارات سخرية؟! هذا هو ترتيب الحكاية الكوميدية التي تحدث في الكواليس لتملأ الفراغ السياسي، أَعِدها أنت عزيزي القارئ ورَتِّبْها كما شئت.. وحاول أن تراجع برنامج "البرنامج" الذي قدمه المالكي مؤخراً.
|