الاعلام وأشباح السلطة الخامسة |
هناك من يعاتب الاعلاميين في العراق قائلا : نسيتم قضايا الأمة ، لكن المنصف يشعر ان هناك تنوعا وابداعا وجرأة في المعالجة الاعلامية ، وسعيا جادا لبناء رأي عام حقيقي ، وسائل اعلام وطنية بلغت مرحلة متقدمة من الاحتراف في الشكل والمضمون ، وكوسيط بين السلطة والناس وكسلطة رابعة تراقب وتحاسب ، لكن بقياس النتائج تكتشف بنفسك ان الرأي العام لم يعد مؤثرا في الحياة السياسية ، نموذج تأريخي جديد من الحكومات ، كان المستبدون يسلبون حرية التعبير ويمنعون بناء رأي عام حر ، اما دولتنا الحالية فتسمح بحرية التعبير والنقد والشتم الى حد الفوضى وتسمح بتكوين رأي عام خارج دائرة السلطة لكن الملفت ان الوضع يجري كما تريده السلطة لا كما يريده الرأي العام الحر ! الساسة واصحاب القرار لا يخشون سلطة الاعلام ، لذا تدنت مصداقيته والناس يشعرون بأن مشاكلهم تزداد تفاقما ، المشكلة أكثر تعقيدا ، فليس السلطة الرابعة (الاعلام) وحدها فاقدة التأثير بل ان السلطات الثلاث الحقيقية التشريعية والتنفيذية والقضائية كلها فقدت مصداقيتها ، البرلمان ابو السلطات غير قادر على حل اي مشكلة ، قوانينه حبر على ورق ، وان استدعى مسؤولا فاشلا لا يحضر ، وان تواضع وحضر فهو ضيف وهو رب المنزل وقد يتحول الى قاض ومحام ، فيك الخصام وانت الخصم والحكم ، وقد ينجح في وضع البرلمان نفسه في قفص الاتهام ! ههههه ، كذلك الحكومة لم تعالج مشكلة واحدة ، واذا عالجت مشكلة يتحول العلاج نفسه الى مشكلة ثانية ، وداوني بالتي كانت هي الداء ، بعض الدوائر فيها شرفاء بالصدفة لكنها لم تفهم اللعبة ، فتقرر حل المشكلة الفلانية وتستمر في الصراع لتخرج في النهاية بسيل من المشاكل ، كمن يمشي في مستنقع كلما تقدم خطوة ازداد انغماسا في الوحل ، حكومة افتراضية تدير بلدا متوفيا ، فهو بلا أمن ولا بطاقة تموينية ولا سكن ولا كهرباء ولا عمل ولا مجاري ، كذلك السلطة القضائية تصدر احكاما ضد اشخاص فلا تنفذ ، وتحجب الحصانة عن نواب فلا تحجب ، ومن نجحت في اعتقاله هطلت الدولارات على السجانين فاطلقوه بمنتهى السلاسة وهم شاكرون ، ومن لم يطلقوه وهو مسجون هربوه وهو محكوم ! المسؤول التنفيذي يفشل فلا يخاف العقوبة ، واذا أقالوه تسلم كتاب اقالته ضاحكا مستبشرا ينظر الى ساعته مسرورا كي لا يفوته موعد اقلاع الطائرة ! هنا بغداد ، بلادنا غارقة في مياه المجاري ، مياه ليست طائفية غمرت جميع الاديان والمذاهب فحققت الوحدة الوطنية من اوسع المنهولات ، وفي ليلة الامطار يفتقد المسؤول المنتخب وهو يقضي لياليه السعيدة في فنادق العالم بأموال الضحايا ، فلا يخاف من أحد ، اذن في هذا البلد ليس لأحد سلطة على أحد ولا أحد يخاف من أحد ، لا الحكومة ولا البرلمان ولا القضاء ولا الاعلام ولا الكتل السياسية ولا الكتل الكونكريتية ، اذن من الذي يدير الامور ؟؟ انا شخصيا لا اعرف ، لكن لدي محاولات يشاركني بها بعض الحشاشين لكي نربط بين الاحداث ثم نكتشف صاحب السلطة الحقيقي في العراق ، بلادنا جزء من مبدأ الدومينو ، اصطدام الحجر الاول معناه سقوط السلسة جميعا ؟ قرر الامريكان انهاء الخيار المسلح في سوريا ، واقالة مرسي وتقديم السيسي في مصر ، واقالة الامير وتقديم ابنه في قطر ، والاستغناء عن لاعبي الخط الاول في النادي مثل السعودية وقطر وتركيا وتركهم في الاحتياط ، وتأديب اسرائيل بكلمات امريكية خشنة جرحت شعور نتنياهو ، والتساهل في حل عقدة الملف النووي الايراني ، ماذا حدث بعد هذه البانوراما الطويلة ؟ انهارت المعارضة السورية ، فقدت جبهة النصرة الدعم الاسرائيلي ، اعلن ايمن الظواهري الغاء عصابة داعش المشتركة ، ثم دعى اتباعه الى تقليل هجماتهم على اتباع (المذاهب الاخرى) ، هاجمت جماعة حارث الضاري الارهابيين بتصريحات فضائية ! ، اقتربت تركيا من العراق واعلن الفيلسوف العثماني اوغلو من بغداد والنجف اننا اصدقاء وكل الذي كان بيننا مجرد مزاح .. تكبرون وتنسون ! تضاءلت العمليات الارهابية في العراق ، اصبحت الكهرباء 24 ساعة يوميا ، تم تمرير قانون الانتخابات بسرعة فائقة ، سكتت اصوات الخلاف بين المركز والاقليم ، تشاجر الشيوخ والمسلحون في مواقع اعتصام الغربية وتبادلوا الاتهامات وغاب المفطح وحضرت اللفات ، هدأت الاصوات التي كانت تستنكر الولاية الثالثة للمالكي ، هذه آثار السلطة الخفية ، لم يرها أحد ولكن لمس آثارها واضحة ، فهي تبني وتهدم ، تبرم وتنقض ، تعطي وتمنع ، تلك السلطة الشبحية التي شطبت داعش ، وابكت تل ابيب ، واضحكت طهران ، وصفعت الرياض ، وجلبت الكهرباء ، واسكتت المولدات ، لا تهتم بالتفاصيل الا بقدر مصلحتها ، مبدأ العدالة في العراق منطقة فراغ لا يدخلها أحد فلا يخشى المقصر عقابا ولا يرجو المحسن ثوابا ، ولا يجد التعيس من يواسيه ولا يجد السعيد من يهنؤه ، ربما تقتضي مصلحة تلك السلطة العملاقة غير المرئية ان تنقذ العراق من الفيضان والارهاب والفساد والفقر والبطالة ، يدعي بعض اصحابنا ان كثيرا من الساسة والمثقفين في هذا البلد يعرفون السلطة الخفية ويلتقون بها في حالات لطف نورانية خاصة لكنهم لا يخبرون أحدا ، كلما التقوها خرجوا من كهفها صامتين يضحكون داخليا منا ونحن في الاعلام نتكلم عن الانسانية ونجلد الحكومة لانها لم تعالج سبع اطفال مشلولين في بيت واحد ، ولم تهتم بتربية سبع شبان (ايمو) في بيت واحد ، وسبع بنات اصبحن من الفقر بائعات هوى في بيت واحد ، السلطة الخفية الشبحية قادرة على اسقاط سبع دول في شرق اوسط واحد . المراسل في الستاند يتصبب عرقا ويلقي خطابا تأريخيا ويرتعد غيضا لرحيل الانسانية ، مراسل آخر لشدة كآبته من الأخبار المؤلمة عاد الى البيت سكرانا فعاتبته زوجته فقال : اقسم لك قسما دستوريا لن اعود لمثلها وسأبقى سلطة رابعة ولكنها مملوكة لسلطة الاشباح الخفية لانها السلطة الخامسة . |