آمل أن لا أكون مخاصماً |
صار للسيّد ابراهيم الجعفري، أخيراً، أتباع، وأولهم السيّد رئيس الوزراء نوري المالكي. فلقد وجدت طريقة الأول في نحت الجمل صداها عند رئيس السلطة التنفيذية، فخرج علينا مؤخراً باصطلاح جديد هو: المخاصمون السياسيون! ومن هم المخاصمون السياسيون في عرف السيد المالكي؟ انهم مجموعة من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، ولكنهم "زعلانين" على السيد رئيس الوزراء لسبب أو لآخر، فقرروا تحويل خصامهم معه إلى تخريب، فـ"هؤلاء المخاصمين السياسيين يحاولون العيش على معاناة الناس بعد ان اغلقوا بعض المجاري وقاموا بأطفاء المحطات التي تصرف المياه واطلقوا الاشاعات والدعايات من خلال التظاهر"، كما يقول السيد المالكي بنفسه، خلال كلمته الأسبوعية الأخيرة. واضح من جملة السيد المالكي أن المخاصمين السياسيين قد شمروا عن سواعدهم أثناء تساقط الأمطار الكثيفة في العراق، مؤخراً، من أجل غلق "المنهولات"، وإصدار أوامر عاجلة للجهات البلديّة، التي تقع تحت أمرتهم، من أجل عدم إخراج أي آلية لسحب المياه من الشوارع، ومن جملة أوامرهم دفع عناصر، تابعين لهم، بهدم بعض البيوت بحجة أن الأمطار هي التي تسببت في ذلك، وربما قتل، المخاصمون السياسيون، عن طريق مجاميعهم المسلحة، بعض المواطنين من أجل تثبيت التّهم المطرية، واخيراً فلقد دعا هؤلاء جمهورهم إلى الخروج بتظاهرات محدودة ضد القيادة الحكيمة، بوصفها عجزت عن سحب المياه من الشوارع، وربما لأنها لم تستطع اقناع الله عزّ وجلّ بأن يخفف من أمطاره! ولا حول ولا قوة إلا بالله. طريقة السيّد الجعفري الكلامية، التي استلهمها السيّد المالكي، من أبرز صفاتها الدوران حول الموضوع، لا في الموضوع. وهي طريقة، كما أعتقد، لا تناسب الساسة، هي قد تناسب الشعراء، مثلاً، ولكن السياسة تتطلب الذهاب المباشر للهدف، أو المعنى. ولهذا، فالسيّد المالكي، في حديثه عن المخاصمين، إنما ينسى، على سبيل المثال أيضاً، أنه أحد هؤلاء المخاصمين. بسببه، هو تحديداً، تعطّلت الكثير من المشاريع، لا على طريق الإعمار والبناء فحسب، بل على طريق بناء الدولة المدنية التي يتساوى فيها جميع، وتنهض مودعة أزمنة الديكتاتوريات والمناكفات. وبدلاً من ذلك، أيّ الشروع في طريق البناء، ينشغل المخاصم الأول بشنّ معارك، سيذكرها المؤرخون على أنها المعارك الأكثر سذاجة في تاريخ البشرية، ذلك أنها تنشغل بالثانوي، وغير المهم، والنفعي، والشعاراتي. معارك همّها الأول تسقيط الجميع، ولا أقول الخصوم، واعتبارهم أعداء للإنسانية، وليسوا للعراق. معارك كتبت فيها، ومنها، وحولها، إنشاءات لا حصر لها، تحضّ على الكراهية، ومعاداة أي محاولة للتسامح. معارك أنفق خلالها العراقيون ثمانية أعوام، بالتمام والكمال، وهم يعدّون خلالها ضحاياهم الكثر، ويرون بأمّ العين المليارات وهي تصبح مثل قبض ريح على يد المخاصم الأول، فيما نخبة تحيط به تتنعم بكل شيء. المخاصم الأول، هو النتاج المباشر لكثرة صمتنا. تصريح مثل تصريحه عن أفعال المخاصمين السياسيين كفيل بمساءلة صاحبه ليل نهار، ولكنه بدلاً عن ذلك تحول إلى نكتة. مجرد نكتة. وكأن هذه البلاد، وبعد أن عجزت من التغيير، وأكثرت من النحيب، لم تجد غير النكتة مجالاً للتنفيس عن غضبها، ومن المفارقات البليغة أن يكون المخاصمون السياسيون هم أبرز المنكّتين! |