بهذا المعنى ومعاني الفساد والعجرفة تكونت تقاليد خلقتها أساليب قضائية ترعرعت أيام النظام السابق مع أجهزة أمنية ومخابراتية لم تكن تمتلك من وسائل الترهيب والضبط إلا بتوقيف المتهمين اللذين غالباً ما فقدوا في المقابر الفردية والجماعية ,أما محضوضيهم فقد إنتهوا بمواقف وسجون النظام السابق , محاكم الجزاء والسلطة القضائية بدلاً من أن تستغل عصر ما يسمى (إستقلال السلطة القضائية ) وتعيد النظر بسياقات عمل قضائية ظالمة وباطلة إستساغت هذه الإساليب لتتحول هذه السياقات الباطلة الى إصول محاكمات جزائية يتلذذون بها بعض القضاة وعناصر التحقيق لظلم الناس والتنكيل بهم,كما أشعلت الفساد في الأجهزة الأمنية والقضائية والتي عادت بالعراق كواحدة من الدولة التي تتربع بأعلى مراتب الأمم التي لا تحترم حقوق الإنسان رغم وجود سلطة قضائية (مُستغلة) ووزارة حقوق الإنسان ومفوضية مستقلة ولجان نيابية ومحلية وألاف المنظمات المدنية الدولية والوطنية تأكل وتشرب من ماعون حقوق الإنسان,
الحقيقة لطالما كررنا على الجميع مسألة واقع النظام الجزائي المشوه في العراق وأكدنا بأنه هو الذي أسقط ثورات عبد الكريم قسام وعبد السلام وعبد الرحمن عارف ثم أسقط صدام حسين والإحتلال وسيسقط حكم الشيعة بالقريب العاجل إذا لم يتم تدارك الأمر ,كما قلنا بأن العراق هو أكبر من إرهاب القاعدة وأخواتها من المليشات التي تفجر أو تقتل هنا وهناك ولكن الخطر في القضاء الجزائي العراقي المشوه الذي أصبح أحسن دكان يستعين به الفاسدين والفاشلين والمجرمين لتمرير مشاريعهم الإجرامية ,وشرحنا كيف سيكون وسيلة السلطة لترهيب الخصوم وإستمالتهم ,كما أن تمسك القيادات الحكومية والنيابية والقضائية بالسلطة المؤبدة (من المهد الى اللحد) ليس بسبب عشقهم لمناصب يلعنهم سببها الشعب من الصباح حتى المنام وإنما هذا التحصن بصولجان السلطة مرتبط بعدم ثقتهم بقضاء مزاجي لا يستبعدون معه أن يحولهم من بابوات وسلاطين في المنطقة الخضراء الى متهمين وصعاليك في إحدى معسكرات الجيش لمطار المثنى بمجرد تركهم الكرسي النيابي أو الحكومي أو القضائي !,وبينا بأن اللجان الخماسية والسداسية والوزارية والشرعية والعشائرية التي شكلتها الحكومة لن تجدي نفعاً لإعادة الوئام الإجتماعي للمجتمع العراقي المنكوب إذا لم يتم مراجعة الجزاء في العراق ,وبالخصوص القضاء الذي تحول من مؤسسة نلجأ إليها للقصاص من المخالفين الى مؤسسة محطمة ضاع بها بفوضويتها القاتل والمقتول البريء والمذنب والباطل والحق .
اليوم وبعد ما يقارب 20 سنة على صدور قرار رقم 120 لسنة 1994 يكتشف شيخ القضاة الذي قضى نصف عمره الثمانيني في القضاء أن القرار أعلاه مخالف للحريات الواردة بالدستور والقوانين , ليقرر بإسم (لجنة لا ندري إن كانت تقرأ أو تكتب أمام معالية ؟) على ضرورة إطلاق سراح المتهمين بجرائم المتعلقة بالمال العام والوظيفة العمومية التي يسمونها الفساد الإداري والمالي, طبعاً أن الغرض من هذا القرار ليس له علاقة بحقوق الإنسان وإحترام كرامات الناس والتخفيف من سجون ومواقف ستصبح أكثر من معامل الصمون في العراق وإنما هو إسلوب الفهلوة الفقهية الذي يتبعه المحمود في تفسييراته البهلوانية للقواعد الدستورية والقانونية بما لم نسمع بها حتى بمحاكم الثورة ليتمكن من توزيع معروفه على أصحاب الفخامة والسمو الحكومي من مجرمي الدرجات الحكومية والنيابية والقضائية العليا والوسطى .
ولا نريد ان نكرر ما فضحناه عن إسلوب التفسيرات الفضائحية للمحمود وإمعاته ,ولكن نسأله لماذا لم يشير هذه المرة الى المادة 130 من الدستور التي جعلت جميع التشريعات نافذه حتى يتم تعديلها بتشريعات إخرى ؟ والتي طالما إستنجد بها لتمرير بقاء سلطانه مع سلاطين الحكومة ومنافعهم المالية والعقارية التي رسموها بالإستناد لتشريعات ما قبل الدستور وضد الدستور ومنها المادة 27 التي إعتبرت أن للمال العام حرمة لا يجوز التنازل عنه والتصرف به إلا بقانون ؟.