إنْ لم تدركهُ ، ذَهَب...

 

يوم الخميس 27/11 كنتُ مدعواً للمُشاركة في ندوةٍ ، حول " الشفافية " في جانبها القانوني ، ولا سيما في ملف النفط والغاز . مُنّظمي الندوة ، بَلغوني شفهياً ، وكذلك ورد في بطاقة الدعوة ، بأنها تبدأ في التاسعة صباحاً . وبالفعل كنتُ في العنوان قبل الموعد بعشرة دقائق . وفي التاسعة بالضبط ، لم يكن متواجداً في القاعة ، غير ثلاثة أنفار ، أحدهم ، سّيدة ناشطة مدنية معروفة وهي التي دَعتْني أصلاً . وشخصٌ لم أعرفهُ ، قالوا انه الدكتور القادم من أربيل ، والذي سوف يلقي المُحاضرة الرئيسية ، ومحامي شاب مسؤول في منظمة حقوقية وهو مُنسِق الندوة . 
قالتْ السيدة للحقوقي : كم مُنظمةً دعيتَ ؟ أجاب : عشرة منظمات . قالتْ : ألم أنصحك بدعوة ممثلي خمسين منظمة يا أخي ؟ أسألني أنا .. فحين تدعو خمسين منظمة ، فسوف يحضر ممثلو عشرة او خمسة عشر منظمة على أحسن تقدير ! .. وتفضل الآن ، انها التاسعة والربُع ولم يجئ أحد . في هذه الأثناء ، قدمتْ سيدة أنيقة ، رحبَ بها الجميع ، وكانتْ من السليمانية كما يبدو .. سألها " الدكتور " : هل تناولتِ الفطور ؟ قالتْ : كلا . قال : دعينا نذهب ، وتوجها الى المطعم المجاور . 
إذن المُحاضِر الدكتور غادرَ مع المُحاضِرة الأخرى ، لتناول الفطور في التاسعة والثلث ، بينما موعد الندوة هو التاسعة ! . بعدها ، حضرَ شابان وأربعة فتيات ، فصار مجموعنا نحن الحاضرين ثمانية . إنتظرتُ حتى التاسعة وخمسة وأربعين دقيقة .. ولم يحضر الأساتذة المُحاضرون من المطعم . فقلتُ للسيدة التي دعتْني : مادام معظم المدعوين لم يحترموا ، الموعد ولم يحضروا لحد الآن ، وما دام الدكتور القادم من أربيل وزميلته ، لا يلتزمان أيضاً ، بالموعد المُحّدَد .. فسأغادر ولن أبقى ! . قالتْ مُحرَجة : .. للأسف ، ان عدم الإلتزام بالمواعيد ، شئ طبيعي وشائع هنا ! .
تصَور .. ندوة من المفروض ، أن يُناقَش فيها موضوع في غاية الأهمية : القانون الدولي فيما يخص " الشفافية " ، والتركيز على الشفافية في ملف النفط والغاز وكيفية التصرُف بالموارد ، وعلاقة كل ذلك بالعراق ولا سيما أقليم كردستان .. وماهية القوانين المحلية المتعلقة بالشفافية ومدى إقترابها من المعايير الدولية . مثل هذا الموضوع الحيوي ، يتم التعامُل معه بإستخفاف وعدم جدية .. ومن مجموع حوالي ستين مدعُوا ، لم يحضر بعد مرور خمسة وأربعين دقيقة من الموعد ، غير ثمانية أشخاص ، إثنان منهم من مُنّظمي الندوة ! . وحتى الدكتور المُحاضِر ، كان ينبغي أن يبدأ بالندوة في موعدها ، بِغض النظر عن عدد الحضور .. لكنه ذهبَ الى المطعم للفطور .
إذا كانتْ [ النُخبة ] من الناشطين والمُهتمين بالشأن العام ، والمحامين والأساتذة ومنتسبي منظمات المجتمع المدني ... الخ ، لايلتزمون " معظمهم " بإحترام الوقت ولا التقيُد بالمواعيد ، فكيف تُبني عليهم الآمال ، في الإرتقاء بالمُجتمَع ، وكيفَ يُعتمَد عليهم لقيادة الوطن في المرحلة المُقبلة ؟ ... 
أبرز نواقصنا وسلبياتنا : هي أننا لانعطي لل " الوقت " حق قدره .. منذ الصغر ، نتعلم الإستخفاف بالزمن .. ثم نتعود على تجاهُل الدقة في المواعيد .. أي مواعيد .. حتى نصل ، الى مرحلة إختراع الحجج والذرائع ، كي نتملص من " المواعيد " التي وضعناها نحن انفسنا ووعدنا بها .. ومثال على ذلك : التأجيلات المتعاقبة لإنتخابات مجالس المحافظات في الأقليم طيلة سنوات عن " مواعيدها " ... وتأجيل إنتخابات رئاسة الاقليم عن " موعدها ".. الخ .
.....................
" الوقتُ من ذَهَب ... إن لم تدركهُ ذَهَب " .