تبادل نشطاء الفيس بوك مجموعة من الصور التي تعكس الحالة المزرية التي وصلتها المدارس في العراق، صور تبين مدى الخراب والإنهيار الذي أصاب الأبنية المدرسية - هذا اذا صدقنا كلام الجهات المعنية عن هذه الأبنية وانها أبنية مدرسية فعلا وتمتلك المواصفات المطلوبة. واحدة من هذه الصور تُظهر مجموعة من تلاميذ مدرسة من مدارس ناحية الغراف التابعة لمحافظة ذي قار، يجلسون في العراء وسط الضباب وعلى الارض الموحلة فيما يجلس المعلم وسطهم لايخفي حيرته وانعدام حيلته، فمن الواضح ان مدرستهم الطينية قد إنهارت (220 مدرسة طينية مهددة بالإنهيارفي محافظة ذي قار وحدها) وإن عليهم أستخدام الخيم والبدائل الموجودة في قراهم حتى يتم بناء مدرسة طينية أًخرى ولكن بمواصفات أسوء لانها ستبنى على عجل وقد تسجل كمنجز لوزارة التربية. فيما تبين الصورة الثانية ما يعانيه تلاميذ المدارس في البصرة وجلوسهم وبأعداد كبيرة في احدى زوايا المدرسة الخربة والتي تحولت الى صف دراسي في الهواء الطلق بعد أن إنهارت مدرستهم. القاسم المشترك بين هذه الصورهو انها لمدارس في مدن غنية جدا بثرواتها ومواردها وبميزانياتها السنوية الضخمة جداً!!!
وفي نفس الوقت فقد تم نشرنسخة مصورة لجدول الدروس الإسبوعي للصف الثالث الإبتدائي في احدى المدارس الخاصة التي تنتشر في العراق بشكل متزايد. نظرة بسيطة على الجدول المذكورتجعلنا نكتشف سعي المدارس الخاصة للتركيز على الدروس العلمية واللغات وهذا ما يدفع الأهالي لإرسال أطفالهم اليها لقناعتهم بأن ذلك سيجعل اطفالهم في مستوى علمي أفضل من أقرانهم في المدارس الحكومية. الجدول يتكون من 45 حصة بمعدل 9 حصص لليوم الواحد ( رياضيات وعلوم ولغات...الخ) ولكن غابت عنه حصص لدروس هامة وضرورية جدا وهي التي تساعد التلميذ وهو بهذا العمرعلى تحمل اليوم الدراسي وهي الرياضة والفنية "الرسم والموسيقى" (خصص لها يوم السبت فقط) فهذه الدروس ورغم انها تساعد على تنشيط الجسم أو تحفز الذهن وتنمي الذائقة الفنية الا انها تساعد على كسر رتابة اليوم الدراسي الذي يتم حشوه بدروس متواصلة تفوق قدرة التلميذ على الإستيعاب والفهم وهذا ما يجعله عرضة للتعب والضجر. وما يحدث في هذه المدرسة لايتخلف كثيرا عن باقي المدارس الخاصة في العراق وانها تسعى وبشكل منتظم ومتواصل لتهميش المدارس الحكومية بعد تردي العملية التدريسية فيها ووصولها الى آفاق مسدودة.
كل ذلك يأتي وسط مهرجان العطل المتواصلة وإغلاق المدارس بسبب الأحوال الجوية التي كشفت عن المزيد من بؤس البنية التحتية لقطاعات التربية والتعليم في العراق أو بسبب المناسبات الدينية والأعياد والشعائر والطقوس التي يصعُب عدها، يضاف اليها قرارات مجالس المحافظات التي لاتجد ما ترد به على سوء الأوضاع وإنهيار البنية التحتية وغياب الخدمات في المدن التي تحكمها سوى منح المزيد من العطل!
تتسبب العطل بمشاكل كثيرة لسيرالعملية التدريسية لانها لاتسمح بإكمال المناهج الدراسية المقررة وبالتالي فإن التلميذ سيبدأ السنة الدراسية ويخرج منها دون الحصول على مادة علمية مفيدة تناسب عمره أو تجعله جاهزاً لدخول السنة القادمة.
هل نحن أمام عملية تدريسية جادة تمكننا من الاطمئنان على مستقبل أطفال العراق أو على الأقل تجعلنا نشعر انها ستحقق المرجو والمنتظر منها خلال المراحل القادمة؟؟ شخصيا أشك في ذلك لاننا امام سيرورة الخراب والتدمير والتجهيل والإهمال المتواصل وغياب الرؤية التربوية والتعليمية الواضحة وسط المساعي المتواصلة لفرض مناهج دراسية متطرفة وغارقة في قضايا الدين والطائفية فيما غاب دور الأساسي والهام للمعلم في الارتقاء بالعملية التعليمية أو في التخطيط لها وإكتفى بدورالمُلقن للتلاميذ الذين يخشون غضبه وقدرته على استخدام العنف والتحقير وإن الكثير من الوقائع تثبت تخلف أدواته العلمية والمعرفية وجهله بما يحدث في العالم وتطوراته التكنلوجية والتربوية والتعليمية.
كل ما يحدث هو انعكاس مباشر لحالة الصراع السياسي والطائفي وسيادة الإرهاب وسطوة ونفوذ المؤسسات الدينية وشيوع الفساد التي يعيشها العراق وغياب توجهات الدولة وانعدام رؤيتها للكثيرمن القضايا المصيرية التي تخص المجتمع ومستقبله كالتعليم والصحة وهو ما يعزز الانطباع بان ما يحدث سيقود العراق الى مصير مجهول ومستقبل خرب تماما.
|