حكومة السيد المالكي والدور السلبي للشركاء

 

 

 

 

 

 

أن فهم الظروف التي رافقت عمر حكومة السيد المالكي هو شرط جوهري للوصول الى تشخبص دقيق ونتائج صحيحة عند تقييم الأداء!.  والسؤال الذي يفرض ذاته ما هي نسبة إسهام الشركاء في تحقيق ما إنتهى إليـه حال الحكومة من نجاح (كما يعتقد المؤيدون) أو فشـل (كما يزعم الخصوم)؟.

لقد أسهمت الأحزاب و منذ البدء في عرقلة عمل الدولة والحكومة والتأسيس للخلل الاداري حينما حطّت رحالها في أبنية الدولة والسيطرة قسرا على المؤسسات الحكومية لإتخاذها مقرات للعمل السياسي عند سقوط النظام الصدامي . إضافة الى ابتكار هذه الأحزاب لوزارات اتحادية جديدة وفرضها على رئاسة الوزراء ترضية لكياناتهم السياسية، الأمر الذي أدى بالنتيجة الى زحف خفي للصلاحيات بشكل أفقي من مقر مجلس رئاسة الوزراء الى المقرات الحزبية لرؤساء الكيانات السياسية وهو أمر هام وخطير لابد من الإلتفات له عند تقييم مجمل الأداء الحكومي.

وكما جاءت عملية إقرار الدستور العراقي في 15 تشرين الأول 2005 ، تتويجا للتغيير وبداية للحياة الدستورية في العراق، ونقلة نوعية في النظام الإداري من المركزية الشديدة الى اللامركزية، ولكن في ذات الوقت فأن حجر الزاوية في إنجاح هذه النقلة يكمن في الرغبة السياسية الصادقة ويؤسفنا القول، بأن الرغبة كانت مفقودة لدى معظم الشركاء الأساسيين في الحُكم.  وذلك مايمكن تشخيصه في جنوح الكتل السياسية الى اعتماد (مبدأ المحاصصة)، والذي شكّل هو الآخر عبئاً أثقل كاهل النظام السياسي والإداري وأدى الى خلط الأوراق في تحديد المسؤول الرئيسي عن القصور والتقصير في واقع الأداء الرسمي.

مع ذلك، تنص فقرات المادة 122 من الدستور على أن المحافُظ هو : الرئيس التنفيذي الاعلى في المحافظة، وأن مجلس المحافظة لا يخضع لسيطرة أو اشراف اية وزارة او اية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله ماليةٌ مستقلة. فهل نجحت المستويات المحلية التي تتعامل مع الجمهور بشكل مباشر في النهوض بالواقع الاداري والخدمي للمدن والاستفادة من التطبيقات اللامركزية في النظام السياسي الجديد؟

 

في الحقيقة هناك تجاهل كبير للفشل الخطير الذي رافق أداء السلطات المحلية في المحافظات العراقية ، ففي النظم اللامركزية تُعد هذه السلطات هي المسؤولة أولاً أمام الجماهير على صعيدي التنفيذ والتخطيط ، ألا أن الإتجاه العام في التقييم اليوم، يكاد ينصب على مجلس رئاسة الوزراء في محاولة مفضوحة من قبل الأحزاب ومؤسساتها الاعلامية لترحيل القصور والتقصير من مستوياته المحلية وتجميعها في بوتقة رئاسة الوزراء وكأننا بصدد تقييم نظام مركزي بحت.

أن الهدف من اللامركزية ان يتم التأسيس لنهضة مشتركة تقود الجميع لمستقبل آمن وزاهر، وبدلا من ذلك، فقد أدّت الى التقوقع في معازل حزبية منغلقة، اتضح في تركيز رؤساء الكيانات السياسية على الولاء الحزبي وتعظيم فرص انتخاب أفراد ليس لديهم مايؤهلهم من الكفاءة لخدمة المواطنين. ومن ثم الإسهام في انتاج أجهزة تخطيط ورقابة (مجالس محافظات) عاجزة عن صياغة الخطط واعتماد البرامج القادرة على مواجهة المشاكل الخدمية الملحة التي تعاني منها المدن والوحدات الادارية.  وقد شهدنا معاً كيف أعادت العديد من السلطات المحلية في المحافظات الأموال المخصصة لها في الموازنة الى خزينة الدولة العراقية لعجزها وتعثرها في انشاء مشاريع تنموية مثل محطات مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي والأبنية الخدمية والحكومية.

وفيما يخص الواقع التشريعي في مجلس النواب فلا زالت الإزدواجية في القوانين وتداخل التشريعات الى اليوم قائمة، فالقوانين المعمول بها الى اليوم وبشهادة ذوي الاختصاص لم ترتقي في نصوصها الى المستوى التي هي عليه نصوص الدستور العراقي، بل لازالت الكثير من القوانين التي سنّها النظام الدكتاتوي السابق معمول بها الى اليوم، وما زالت الدورات البرلمانية تعتمد ترحيل الكثير من المهام الى الدورات التي تليها. وقد أربك مثل هذا الحال عمل الادارات الجديدة وتسبب في تداخل الصلاحيّات أيضاُ، فضلا عن تعطيل الدور المفترض للقطاع الخاص في تعزيز التحول الديمقراطي المنشود.

هذا فيما يخص جزء بسيط من العوامل الداخلية، ولا يخفى على الجميع العوامل الخارجية (الإقليمية) التي تسعى جاهدة لإفشال التجربة الديمقراطية في العراق تارة عن طريق، تغذية نزعات التشدد العرقي والطائفي،  وأخرى عبر الدعم اللوجستي للمجاميع الارهابية التي تنفذ الأجندات الارهابية والسياسية لتلك الدول بالتعاون مع زمر البعث الحالمة بالعودة الى سدة الحكم. والجدير بالإشارة ان الكتل السياسية التي جعلت من التوافق نهجا سياسيا لحل الكثير من القضايا ألا أنها الى اليوم فشلت في التوافق على موقف موحد ونية مشتركة في دعم المؤسسة الأمنيةّ في العراق!.

أن التحولات الديمقراطية في حياة الأمم ليس بالأمر اليسير، والعراق ليس استثناءً ، وكذلك القيادات السياسية التي تتصدّى في هذه المراحل، فهي أيضا لاتمتلك حلولا سحرية لكل المشكلات، بل لابد من توافر المتطلبات والشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية اللازمة لإحداث هذه التحولات. ويكفي الاشارة الى أن أي منجز عمراني (ملاعب ومطارات وجامعات) أو ثقافي (مؤتمرات ومهرجانات) وأمني (القضاء على الميليشيات) وغيرها قد تحقق في عهد السيد المالكي في ظل هشاشة بنية الشركاء السياسيين، أي في ظل التحديات الداخلية الجسيمة، والتحديات الخارجية الأكثر جسامة، (خاصة مع ادراج المجتمع الدولي ومجلس الأمن ما يجري في العراق من تفجيرات على لائحة جرائم الإبادة الجماعية).