بغداد – يدرك نوري المالكي تماما أن أدوات بناء "ديكتاتورية" السلطة التي يتنعم بها حاليا، ويخاصم الآخرين بسببها ويخاصموه هم أيضا عليها، لا تكتمل من دون وضع يده على الملف الأمني والتحكم به دون غيره من خصومه السياسيين.
وفي ضوء تعدد مرجعيات الملف الأمني وتشعباته المختلفة فقد رأى المالكي وبمشورة بريطانية قديمة جديدة بجمع كل تلك المرجعيات الأمنية في إطار وزارة أو مديرية واحدة، أطلق عليها المالكي أسم "مديرية الأمن الوطني" التي وجه مؤخرا لتأسيسها وأسند لها مستشاره للأمن الوطني الحالي فالح الفياض المقرب منه ومعتمده الإمين في إقناع خصومه بتأييده.
وستضم المديرية، وفقا للمصادر التي سربت الأخبار، اجهزة امنية ومخابراتية ومعلوماتية عدة، وربطها جميعا بمكتب نوري المالكي الخاص الذي يشرف عليه هو شخصيا بمساعدة نجله أحمد المتحكم الرئيسي بمكتبه الخاص.
ووفقا للمصادر فإن المالكي أراد من هذه المديرية "انهاء تعدد مصادر القرار الامني والمعلومات عبر وجود اجهزة امنية كثيرة، وهو ما خلق فوضى في الصلاحيات ومناهج العمل بين تلك الاجهزة".
ويبدو أن المالكي أستمع إلى نصيحة بريطانية بتشكيل هذه المديرية، وهي مشابهة تماما للنصيحة التي قدمتها بريطانيا أيضا لرئيس النظام السابق صدام حسين من خلال تأسيس "مديرية الامن العامة" سيئة الصيت، والتي شهدت ابتداء من رئيسها ناظم كزار في اوائل سبعينيات القرن الماضي وصولا الى اخ صدام غير الشقيق سبعاوي الحسن، اعتقال الالاف من العراقيين وتعذيبهم وقتلهم.
حيث ستشرف هذه المديرية على السجون السرية التي يديرها مكتب المالكي بعيدا عن سلطة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المسؤولة، مما قد ينذر بدخول البلاد في عهد سلب الحقوق والتعبير عن الرأي والمعارضة للنظام الحالي، التي عاشتها البلاد أيام النظام السابق طوال ثلاثة عقود قاسية ومؤلمة.
وكانت تقارير عراقية ودولية اشارت في العامين الاخيرين الى تزايد معدلات الاعتقال العشوائي من قبل اجهزة امنية ومخابراتية مرتبطة بمكتب نوري المالكي فضلا عن سجون سرية وممارسة شتى انواع التعذيب بحق المعتقلين.
فضلا عن ذلك فإن المديرية المقترحة من المالكي ستساهم كثيرا في تعميق الخلافات السياسية بين المتخاصمين في بلاد الرافدين على كراسي الحكم والثروات، في ضوء التحشيد والتكديس الأمني والإستخباري وتجهيز القوات العسكرية الجارية اليوم بين بغداد وأربيل، والتي تمثلت مؤخرا بأستعراض القوة بينهما وخاصة من قبل حكومة إقليم كردستان، وتعزيز العمل الإستخباري.
فمن شأن هذه الخطوة تعزيز حالة الخلافات ودفع جميع الأطراف السياسية المتخاصمة أساسا، للتفكير بخيارات التقسيم التي تعمل بريطانيا وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكي على ترسيخها في بلاد الرافدين. خاصة في ضوء تصاعد الخلافات السياسية العميقة التي تعيشها البلاد أثر الصراعات السياسية بين المالكي والقائمة العراقية من جهة وبين المالكي والأكراد من جهة أخرى.
حيث ستكون هذه القوة الأمنية التي ستتوحد حولها كل المؤسسات الأمنية العراقية ستكون القوة الضاربة التي سيستخدمها المالكي في تطور صراعاته السياسية مع مناوئيه، وتقرير مصير البلد، في ضوء تلويح القائمة العراقية الأخير أن مضي المالكي في بناء ديكتاتوريته سيدفعها إلى اللجوء لأمور ومشاريع أكبر من الأقاليم التي شجعت على إقامتها في العديد من المحافظات العراقية وخاصة في صلاح الدين وديالى والأنبار. وفي ظل توجهات الأكراد لإعلان دولتهم الكردية المرتقبة خلال الشهور القليلة جدا المقبلة، مما يدفع الكثيرين إلى الإقتناع أن بريطانيا تدفع بالمالكي دفعا شديدا لبناء هذه القوة الأمنية، من أجل تسهيل وصول جميع الأطراف السياسية العراقية للحظة التقسيم المعدة مسبقا من قبل بريطانيا وأمريكا. |