عباس عبود يقرأ ما بعد الديكتاتورية

 

  • أعادت الحرب العالمية الثانية تشكيل العالم بتفاؤل يمحو تشاؤم الحرب
  • عبد الناصر حول الربيع العربي خريفا وهو في قبره

أطر الكاتب عباس عبود، إنهيار الشعارات الجوفاء، المصاغة بلغة بليغة، تغوي عامة الناس بترديدها، من دون ان يكون لها مقابل واقعي، يؤهلها للتنفيذ، لا في أجندات مطلقيها، الذين شجعوا على الحفظ الببغاوي لها، إشغالا لإنفعالات الشعوب العربية، بالأَعراض من دون الجواهر.

كتاب "عراق ما بعد الديكتاتورية.. قراءة في المشهد السياسي العراقي بعد 2003" الصادر ضمن سلسلة "دراسات" عن بغداد عاصمة الثقافة العربية، شمل به المؤلف التحولات المتمثلة بـ "زلزال اقليمي في الافق وعجز عربي عن استيعاب ما يحدث" الذي حدد فيه ان إدراك البسطاء للحالة الانسانية الكبرى، بعد زوال آخر رمز قومي، بسقوط حزب البعث المنحل؛ تحرر لهذا الشعب من وهم إطلاء العروبة والاسلام على شخصيات متسرطنة مغرورة بخواء مشروعها الجاهل، الذي يعجز عن الارتقاء بذاته؛ فيحط من المجتمع؛ كي يقترب منه.

أكد عبود على ان تخلي العراقيين عن مناصرة رمز التعصب القومي الطاغية المقبور صدام، بدخول قوات الائتلاف يوم 9 نيسان 2003 عده دعاة القومية خيانة لرئيس عربي مسلم، متناسين انه سحق كل من يخالفه الرأي وجار على شعبه، الذي لم يجد له حسنة واحدة، تبرر الدفاع عنه، نظير الفظائع التي ارتكبها بحقه.

ويتساءل: "هل انتهى عصر القومية العربية أم انتهى زمن الشعارات" مفصلا العوامل التي بلورت المشروع القومي المتفاخر بخواء مضمونه، متمثلا بقضية فلسطين وثورة 23 يوليو 1952 التي استحوذ عليها جمال عبد الناصر، محيطا نفسه بتهويل اعلامي؛ يعظم الويلات التي جرها على مصر وعموم الدول العربية، التي ما زالت تدفع ضريبته تواصلا مع ربيعها الذي استخرف.

يقر عبود بان عبد الناصر من دون منهج، ولا ايديولوجيا حزبية منظمة (برغم اعتراضنا عليها لو تحققت) لكنه حتى هذه لم يسمح بتشكلها، انما اعتمد الخطابة الانفعالية، باعتباره عسكريا، وحضور شخصيته الذي يصطلح عليه علميا "كاريزما" فبعثر القومية التي ربطها بشخصه، وذهب الى العمل الواقعي عسكريا وليس دبلوماسيا؛ وهو يعرف جيدا ان الغلبة لإسرائيل في هذا الميدان؛ مخالفا المثل الشعبي المصري: "اللي تغلب به العب به" عن عمد متوطئ او عن جهل، وكلاهما أسوأ من الاخرى.

تناول الكتاب الاجتزاءات الايديولوجية التي صدرتها دول تعد فكريا رجعية، لكنها ازدهرت اقتصاديا وتركت صدام يسوق العراق الى حروب قومية محكومة بالفشل، اجده قد سار اليها دأبا على هزائم عبد الناصر التي يواجهها بصلف الطاغية الذي لا يخجل من اخطائه.

عرج المؤلف على "ما تبقى من القومية التي انتهت فعلا، خاصة بعد ان تأكدنا من ضخ الدول العربية الينا بالارهابيين، من دون مراعاة لقومية واسلام تجمعاننا بهم، اذن خونونا إزاء صدام حسين، في قضية تعاملوا بها معنا ولم يراعوا هذين الاعتبارين.

في مقال "ماذا تبقى من فكرة القومية وهل انتهى عصر القومية العربية" استعرض الكتاب انتشار الفكر القومي في الشرق الاوسط قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، التي أجدها تأسيسا أعاد هيكلة العالم، بما فيها عصبة الامم المتحدة، وإعادة تشكيله، بتفاؤل يمحو تشاؤم الحرب.

اعتمد المؤلف كلمة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في تحديد صفة الوجود الامريكي في العراق: "تحرير تحول الى إحتلال".

ارانا صحونا من كابوس فظيع بسقوط صدام، لكننا لسنا مدينين لامريكا بالشكر؛ لأنها اسقطته لأسببها هي وليس لأنه ارتكب الفظائع بحق شعبه.

لم يغفل الكتاب تخبط السياسة الامريكية في العراق "خطوة الى الامام وخطوتان الى المجهول" و"تأثير السياسة الامريكية في سلوك الكتل السياسية العراقية" شاملة تفاوض السفير الامريكي زلماي خليل زادة مع شخصيات سنية لتحقيق التوازن إزاء الشيعة والكرد.

أظن ان هذا الاجراء جاء على خلفية مقاتلة  قوى شيعية، ضد الجيش الامريكي؛ ما جعل الجميع يتخبط.. الامريكان والشركات الامنية والكتل السياسية؛ بحيث تولى شؤون كل فئة أشخاص لا يمثلونها، ولم تستجب لهم، الى حد ضرب أهل الرمادي، خلال تظاهرة سنية، لصالح المطلك، المطروح نائبا سنيا لرئيس الوزراء!

كرس الكتاب فصلا شيقا (الثالث) للعنف، شفع الوقائع بتحليل جذاب وأمثلة تاريخية، تستقصي تجارب سابقة وحديثة، من أماكن جعلت المعلومة جزءا من تتابع درامي يشد القارئ، ومنها "السيافون يكتبون التاريخ" و"العنف السياسي في العراق.. من حروب انجبتها الثورات الى حروب جاءتنا بالارهاب" و"القاعدة" و"البعث" و"الارهاب يشرعن العنف" و"التحول من الارهاب الى الحرب الاهلية" و"صراع العشائر".

الكتاب من مائتين وثماني وخمسين صفحة ذات قطع كبير، ضمت عشرة فصول، منها "المواطنة" و"تسييس القيم" و"التمذهب" و"التحزب" و"الفيدرالية" و"الانتخابات" و"القرار".