سيد حاتم أبو الحيايا

 

" في الصف الأول الإبتدائي كان حلمي الكبير هو أن أمتلك قدرات " سيد حاتم" أبو الحيايا. كان " سيد حاتم" ظاهرة مألوفة في باب الشيخ وما جاورها. يقف في الساحة فيجتمع الناس حوله. يدخل يده في كيس يشده على خصره فتخرج مجموعة من الأفاعي المخيفة تتراقص وتلتف على ذراعه وكنت أشعر بقشعريرة تهزني، وإعجاب طاغ بسيد حاتم الذي لايخاف الأفاعي. نحن فقط، غير المحصَّنين نخاف الأفاعي والعقارب لأنها سامة، أما هو" سيد حاتم" فيقرأ عليها من الآيات والتعاويذ" مايحول الثعبان الى حبل يتحرك بلا أنياب ولا سموم . إعتاد "سيد حاتم" كل مرة أن يرهب المتجمعين صائحاً: " يقول بعض المنافقين أن "سيد حاتم" قد خلع أنياب الأفاعي فهي لاتؤذي .. أدخل يدك أستحلفك برب الكعبة إن كانت بلا أنياب"...وكان الناس يهربون من أمامه فزعاً !!"عندئذ يبدأ هو بجمع الفلوس. " كنت حائراً كيف يتمكن السيد من فعل ذلك؟ نقلت أسئلتي الحائرة عن " سيد حاتم" الى عمتي التي علمتني "قل هو الله أحد" و "قل أعوذ برب الفلق" قبل أن ندرسها نحن في جزء عم! فردت: " طبعاً ..السيد مؤمن وربما يكون الحجاب مكشوفاً عنه! " ثم أردفت : أجدادك كانوا يقطعون البراري ويصارعون الأسود بقراءة الآيات ، أنا جربت آية الكرسي والفلق وفي كل مرة كنت أجرأ من "أبي زيد الهلالي" فكان عدوّي يتحول أمامي الى قنفذ يتكور على نفسه!" قالت عمتي هذا ويدها تتكور لتمثل قنفذاً كان فيما سبق إنسانأ أو ..كلباً كما تصورته..قلت لنفسي: عدوها يتحول الى قنفذ؟ ياربي ما أسعدني الآن! كانت هي تفكر بشئ وانا بغيره تماماً، لقد كان حلمي هو أن أكون مثل " سيد حاتم" بقدرة خارقة تمكنني من تحويل الكلب الشرس الذي يعترضني في طريق ذهابي الى المدرسة فأحوله من " كلب متوحش" مرغ كرامتي بالوحل الى واحد مثل كلاب "القراءة الخلدونية" ، مثل الكلب الوديع النائم في درس:"الكلبُ نائمٌ .. العلمُ مرفوعٌ" أو الكلب المرقط اللطيف في أول درس " دار ..دار " الذي يلعب مع الأولاد كما لو كان واحداً منهم.. لم أصبر طويلاً فبدأت أنفذ خطتي. ذات جمعة، أغريت عمتي بعرض أعرف أنها كانت تحلم به طويلاً وهو إصطحابها الى مركز "باب الشيخ" وسوق الصدرية وكان هذا مطلباً دائم التكرار لها لم يجد مني الإهتمام سابقاً. قَبِلَت عمتي عرضي وهي لاتكاد تصدق. كانت خطتي أن أختبئ خلفها حين نصل مكان الكلب وأترك لها فرصة تحويله الى قنفذ ثم ابدأ أنا بالضحك عليه! لم يمض وقت طويل على مغادرتنا البيت حتى لمحتُ شبح الكلب وهو ينهض من بعيد قافزاً ليطير بإتجاهنا!. صحت: " ..إنه الكلب!" "ماذا تقول؟... كلب؟ أيّ كلب ؟ أين الكلب ؟" أشرّت على الجهة البعيدة في زاوية المرآب القصيّة وصحت: "أنظري هناك....عمتي إنه يعدو الينا إقرأي الآيات والتعاويذ بسرعة فهو كلب سيئ جداً!" "أية آيات ؟" يبدو أنها قد نسيت القصة بكاملها، نعم نسيت عمتي قصة " سيد حاتم" فلم أعرف كيف أذكرها فصرخت فزعاً : آيات "سيد حاتم" أبو الحيّات ... هذا الكلب مصاب بالكَلَب سيأكلنا! بعد جملتي تلك لم أنتبه لشئ سوى أن يدها جذبتني بقوة وهي تصرخ بترتيلها الخائف: ......وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ....مَن ذَا الَّذِي.. طارت هي ذات الجثمان الضخم، تحولت الى طائر خفيف أمسك بذراعي وطار بي ركضاً بإتجاه خرائب السيارات المركونة الى جانب الشارع ،فتحت باب سيارة خربة والقت بنفسها وبي بداخلها. لم أعد منذ ذلك اليوم أؤمن بسيد حاتم. خلق الخالق الكلب كلباً ولايمكن لعمتي أن تحولة الى قنفذ. أنا الآن أجلس مع صاحبي "أبو وسن" زميل الدراسة القديم في الإعدادية. كانا هو و"أم وسن" قبل أن يتزوجا طالبين في كلية العلوم . هو في قسم الكيمياء وهي في قسم الجيولوجي. كانت هي ذات أراء شرسة ترفض الأفكار والقيم البالية وكل مايعارض العلم وتسميها بمصطلحها الجيولوجي: "المتحجرات" . سبب زيارتي الآن هو أن رأسي يكاد أن يهرب من موضعه بعد سماعي خبراً عن " أم وسن" ، وقبل أن يهرب جئت للإحتجاج والصراخ في بيتها: "يا أم وسن يا أختاه، كنت انا آنذاك طفلاً غراً ولم أؤمن بأفاع "سيد حاتم"...هل يصدق أحد أنك الآن تراجعين "عكرمة بن أبي خويلد الانصاري" كي يكتب لك حرزاً لأن إبنتك الصغرى بعد أربع سنين على زواجها لم تنجب ولداً؟ يا "أم وسن" أعلينا أن نعجب أن أتى عكرمة الكذاب بعد ليلة ليلق على أسماع القوم آياته الكاذبة: بسم الله الرحمن الرحيم "وقررنا ان نجعلك رئيس وزراء مدى العمر" صدق الله العظيم؟