لابد أن نصفق للنائب سامي العسكري، وهو يقول: أن لا أحد يمكن أن يملي قراراته على الناخب العراقي. أنا شخصياً اصفق لكل ما يقوله السيد العسكري، وأعرف أن تدخلات دول الجوار، ومنها إيران، وخطر تقسيم العراق، وشبح الحرب الأهلية، وتضخم ملفات الفساد وهشاشة الأمن وغياب الخدمات، مجرّد هواجس في عقول البعض من أصحاب الأجندات الخارجية.. ولمن لا يتذكر فإن هذه الملفات الخطيرة انتهت في اللحظة التي جلس فيها السيد نوري المالكي على كرسيّ رئيس مجلس الوزراء.؟ يعرف السيد النائب جيدا أن ائتلاف دولة القانون منذ وصوله للحكم وأصحابه يحاربون مرة التيار الصدري، ومرة المجلس الأعلى، ومرات عدة العراقية، مرة علاقة خاصة مع أميركا، ومرة علاقة ودّ مع أعدائها، مرة شهر عسل مع إقليم كردستان، ومرة حرب بلا هوادة مع الأنبار، مرة يطبطبون على كتف صالح المطلك ويقبلونه من الوجنتين، ومرات يطالبون برجمه، مرة يقررون رمي العرب جميعا في بحر النسيان، ثم نصحوا على خطب المقربين وهم يرفعون شعار أمة عربية واحدة، لكن الذي لا تفهمه الناس لماذا لايزال سامي العسكري يعتقد بأننا شعب يعاني الأرق وينتظر على أحرّ من الجمر أن يحصل السيد نوري المالكي على ولاية ثالثة؟! ربما لا يريد أن يعرف السيد العسكري أنه بالأمس القريب، وفي انتخابات مجالس المحافظات أدار أكثر من نصف العراقيين ظهورهم إلى السياسيين، والسبب لأنهم ملّوا من المطالبة بأبسط حقوقهم، في حين أصرّ أشاوس دولة القانون التأكيد على خطاب خيالي لا علاقة له بالواقع، وبدلا من أن يهتموا بالتنمية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين.. أصبح همهم الوحيد إلقاء المواعظ والخطب الأخلاقية! مثل ملايين العراقيين لا أملك أن أمنع أي سياسي من أن يترشح للانتخابات، مادامت الديمقراطية منحته هذا الحق، ولكن في معظم دول العالم نجد أن العديد من الساسة يمارسون فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ الذي يشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة. لعل هناك سؤال مهم يجب أن يواجهه معظم ساستنا، وهو لماذا يعتبرون ورقة الانتخابات كأنها صك تنازل يقدمه المواطن للسياسي.. اليوم تتحول لدينا صناديق الانتخابات من وسيلة تغيير إلى وسيلة لاستمرار نفس الوجوه القديمة ، وهذا مأزق الديمقراطية العراقية.. فالجميع مؤمن بأن الصناديق هي نهاية المطاف.. ونراهم بدلا من تأسيس دولة مؤسسات مستمدة شرعيتها من الناخبين ، يسعون إلى تأسيس إقطاعيات سياسية مستمدة قوتها وتسلطها من نفس الصناديق. السيد العسكري، الديمقراطية ليست تفويضًا أعمى كما يفهمها البعض، ولا تستمد وجودها من خطاب يهيم حبا وعشقا بالطائفية.. الناس ملّت من ديمقراطية الصناديق وتريد ديمقراطية العدالة الاجتماعية، ليست صناديق الاقتراع شكلا للحكم، ولكنها طريق لبناء دولة مستقرة. هكذا تعلمنا تجارب الشعوب الحية.. إنها كما قال جان جاك روسو: "قانون يحدد العلاقة بين الدولة والمجتمع، لا تتيح للدولة ابتلاع المجتمع ولا الاستحواذ على مصائر الناس". المشكلة إذاً يا سيد سامي هي مع البعض الذين يريدون إعادة قوانين الاستبداد من خلال الصناديق.. وإفراغ الديمقراطية من مضمونها مثلما فعلت الكثير من الأنظمة المستبدة التي جاءت من خلال الانتخابات أيضا. في النهاية الناس تريد صناديق انتخابات تأتي لها بمن يحب وطنه وشعبه، لا حزبه وعشيرته. من ينصرف منذ اليوم الأول إلى العمل، لا إلى ابتلاع مؤسسات الدولة. تريد سياسياً يعتبر أن الناس فازت بالانتخابات وليس هو واحبابه. لماذا ينسى الذين يرفعون لواء الناخب أولاً كل المآسي التي مرت بها البلاد، أم أنّ مسارح الانتصارات والخطب الثورية ومحاولة صنع "المنقذ"، لا تعترف بالمآسي والكوارث التي تعيشها الناس كل يوم، لماذا بعد سنوات عجاف لا يزال البعض يرى أن خديعة الناخب، هي "أبجد هوز" الديمقراطية ويجب استغلالها إلى أقصى حد؟
|