وزير حقوق الإنسان.. حقا!!

 

ما وظيفة وزير حقوق الإنسان في أي دولة من دول العالم؟.. بالتأكيد دوره الأساسي هو إشاعة ثقافة احترام حقوق المواطنين، وهذا يعني الوقوف بوجه السلطة حين تتجبر، ويرفع الكارت الأحمر بوجه من يعتقد أن البلاد غابة وليست دولة مؤسسات يتساوى فيها الجميع بمختلف قومياتهم وأطيافهم. 
ومن هنا تأتي الدهشة والاستغراب من المفردات والمصطلحات التي استخدمها وزير حقوق الإنسان محمد شياع السوداني، في فتاواه عن مفهوم حقوق الإنسان في العراق، حين قال أن "الوقت ما زال مبكراً لإشاعة ثقافة حقوق الإنسان في العراق، لأن العهد ما زال حديثاً بالتحول من نظام شمولي مطبق إلى نظام تعددي وديمقراطي مفتوح"، رداً على تقارير منظمات دولية تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان في العراق.
قد يكون مفهوماً أن يتحدث قائد أمني أو وزير للداخلية عن متطلبات الأمن، ومطاردة الإرهابيين، وعن دورالأجهزة الأمنية ، لكن أن تجرى هذه المفردات على لسان مسؤول ملف حقوق الإنسان في البلاد ، فهذه مسألة تسترعي الانتباه، لأنه ومع شديد الاحترام "لمقام" السيد الوزير، فإن لغة الدفاع عن الحريات يجب أن تظل مصونة ومحمية من حرائق الأجهزة الأمنية وعبثيتها.
تصريح الوزير يثير الأسى والحيرة، ويجعلنا نضرب كفاً بكف من قدرة العديد من مسؤولينا على خلط ما هو منطقي، بما ينتج عن الخيال من حكايات وقصص لا علاقة لها بالواقع.، ذلك أن وزير حقوق الإنسان نفى أن تكون الحكومة ذات علاقة بما يجري من مخالفات في مجال حقوق الإنسان، سجلتها ووثقتها منظمات دولية، لكنه يعود ويقول إن قوانيننا وتقاليدنا لاتشبه قوانينهم وتقاليدهم، إذاً فما ممنوع في أعراف العالم المتحضر، مسموح ضمن تقاليد السيد الوزير!
لعل ما لا يعلمه الوزير شياع أن الدول لا تقوم بالحل الأمني فقط، ولن تبنى من جديد، إلا بمحو آثار سنوات أنظمة الاستبداد والتسلط. وأن أية دولة لن تخرج من مأزقها ، إلا بعودة الأجهزة الأمنية إلى دورها في حماية حريات الناس، لا في التحكم بمصائرهم، تحت لافتة لا صوت يعلو على صوت المعركة، بناء دولة حديثة ومستقرة قضية ليست أمنية ولن يحلها الأمن، ومحاربة الإرهاب لا تتم بإشاعة قوانين تضطهد الناس وتحاصرهم في بيوتهم وأماكن رزقهم.
علينا ألا نخلط بين الحرية و الحرب من اجل الأمن والاستقرار. هكذا يخير مانديلا الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون حين يسأله عن الدوافع التي صانت موقفه الصلب من احترام حريات الآخرين، فيقول "القدرة على الاحتفاظ بعقل وقلب سليمين. 
يكتب كلنتون، إن "عدد المواطنين البيض الذين يزورون مانديلا أكبر بكثيرمن عدد السود.. كل هذا، لأن الدعوة التي سُجِنَ من أجلها أكثر من ربع قرن ظلت خالية من أي تحامل أو تحيّز ضد البيض " 
أما نحن فيراد لنا أن نبقى أمة مدفونة في خلافات الماضي ومعارك الكراهية، ومفاهيم الوضع تحت السيطرة.. للأسف لم يكتف مسؤولونا بأن الشعب أعطاهم صوته، أرادوا أيضا أن يجردوه من حقه في العيش بكرامة وأمان، أصروا على إلغاء القانون، من أجل راية دولة القانون. 
كانت هناك أنظمة تبيد البشر بحجة الدفاع حقوق الوطن، أنظمة تصرّ على بقاء مواطنيها في أجواء الفقر والخوف والذل..، من الحجاج إلى روبسبير، كانت تجارة قطع الأعناق هي الرائجة والرابحة.. أما اليوم فإن البقاء للحكومات التي تحافظ على حياة الناس ، وتوزع بينهم الألفة والمحبة.
لا تعيش سوى شعارات الحياة والألفة لا شعارات الموت والخوف. أطنان من الخطب تركها هتلر، لا أحد يبحث عنها اليوم، فالناس تتجه صوب مانديلا الذي علمنا ان: " النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي. علينا أن نعلي مفاهيم التسامح والمغفرة لأن الانتقام لا يفرز سوى الانتقام. ولأن العنف لا يولّد سوى العنف "!