في ايام الإنتخابات التي بدأ العراق يعيشها منذ الآن سوف يسمع المواطن العراقي الكثير من الإطروحات الناهضة والتي لو كانت قد طبقت لكان العراق أفضل حالا بكثير...وكل هذه الإطروحات لا تتعدى كونها دعايات إنتخابية رخيصة لا تصمد كثيرا أمام الواقع المؤلم الذي يعيشه البلد وسرعان ما تنهار بعد كل سنوات الديمقراطية والحرية التي وعد بها العراق ولم يرى إلا قشورها الخاوية....
وفي أيام الإنتخابات سوف يلبس السياسيون لباسا أخر غير الذي تعود المواطن العراقي عليه مثلهم في ذلك مثل الحرباء التي تغير لونها حسب ما يتطلب المحيط لذلك.... والمحيط اليوم هو إنتخابي وعلى الجميع أن يتماشى مع هذه الأجواء والتي قد تضمن لهم الفوز بفترة ثالثه أو ثانية تمكنهم من جني المزيد لآن بطونهم لا تشبع أبدا....
وفي أيام الإنتخابات سوف يحاول السياسيون تلميع صورتهم أمام الناخب, لكن الكثير منهم قد علا وجوهم الصدأ من كثرة الفضائح ولا يمكن لأي جلاية أن تنظف هذه الوجوه وأصبحوا أوراقا محروقه بالنسبه للشارع العراقي و بالنسبة لأحزابهم سيئة الصيت...لا بل هذه الأحزاب نفسها أصبحت أحزابا من الماضي وهي قد أثبتت فشلها في إدارة الدوله العراقية وفشلت في تأسيس نظام مؤسساتي في العراق كما إنها تفتقر إلى الكفاءات الوطنية التي تُغلب مصالح الوطن على مصالحها الشخصية الضيقه.
حاولت اليوم وبطريقه غير مباشرة أستطلاع آراء عينات مختلفة من الشارع العراقي حول الإنتخابات القادمة وقد كانت النتيجه غير مشجعة على الإطلاق, وكان هناك شبه إجماع على خيبة الأمل التي يعيشها رجل الشارع العراقي والذي قد يجعله يعزف عن المشاركة في الإنتخابات القادمة. وفي جولتي هذه قادتني قدماي إلى إم جاسم نموذج للمرأة العراقية التي تحمل على أكتافها عمرا طويلا من المعاناة والآلام والحزن وأم جاسم هذه تحمل يوميا عند الصباح قدر كبيرا من اللبن الصافي والذي يعكس صفاء وجهها رغم معاناتها وعلى سطح لبنها هذا تطفو حبات من الزبد التي تظهر عليه آثار أصابعها...جلست بالقرب من أم جاسم كما تعودت يوميا في طريقي إلى الدوام لشرب قدحي اليومي... بادرتها بالكلام بعد السلام بطريقة حاولت إثارة مشاعرها متعمدا قائلا...إن شاء الله يا أم جاسم في الإنتخابات القادمه سوف يتغير الحال نحو الأحسن لآن الشعب تعلم الآن الكثير....قلت لها هذا الكلام وأنا شخصيا غير مقتنع به....رفعت رأسها نحوي وأحسست بإن هناك إبتسامه يظللها ملامح حزن شديد قائلة:
منذ ما يقارب اربعين سنة أحمل هذا القدر من اللبن إلى هذا الركن تغيرت المدينه كثيرا وتغير الناس من حولي فقدت خلالها أولادي الثلاث وأنت تعرف ذلك اولهم كان ضحية صدام بتهمة إنتمائه إلى حزب الدعوة والإثنين الاخرين بالتفجيرات الإرهابية....قالت ذلك وهي تحاول منع دمعة تسللت على خدها المتجعد فراحت هذه التجاهيد توجه دمعتها يمينا وشمالا لتعكس بالضبط مظلوميه عاشتها المراة العراقية على مدى دهورا كامله... أخرجت لها منديلا ورقبا من جيبي وضعته في يدها...قائلا لها...عرفتك يا أم جاسم أمراة قوية ودموعك غالية علينا...إلتفتت إلي قائله...إن عيني لم تدمع لأنني تذكرت أولادي لإن أولادي لا يمكن نسيانهم...ولكن دمعتي هذه لم تفارق عيني ابدا...كنا سابقا نعيش على أمل في مستقبل أفضل أما الأن فإن مستقبلنا سوف يكون اكثر أسودادا من حاضرنا....ثم أخرجت قطعة من الزبده من قدرها وأعادت تشكيلها ثانية وألقت بها في قدرها الكبير لتقول لي لولا هذا القدر لكنت اليوم مرمية في البيت لا أحد يسأل عني ولا أحد يتذكرني....هذا القدر له الفضل الكبير عليٌ فهو الذي يبقيني اتنفس هذه الحياة التي لم أجد منها إلا الآلام والمصائب....
قلت لها بعبارة حاولت بها تلطيف الجو...
لماذا لا ترشحين نفسك في الإنتخابات القادمه وأنا أول من ينتخبك؟...
ضحكت قليلا قائلة...
ما عندي لسان مثل لسانهم...ثم إستطردت حتى إلي إنتخبتها في المره السابقة لم أراها أبدا بعد ذلك....
وكيف تم إختيارك لها...
إخترتها لإنها كانت حتى يوم الإنتخابات تتردد على مجالس العزاء و مجالس المولود في بيت فلانه وقالوا لي إنها أمراة تخاف الله ولذلك إنتخبتها ولكنها طلقت هذه المجالس ويقال إنها اليوم أصبحت ثرية جدا وإشترت الكثير من الدور السكنية في منطقة!!!!...ولها حماية وكثيرة السفرات...وأجرت عملية تجميل لوجها وحتى لو نشوفه ما نعرفها....
قلت لها هذه الأيام هي أيام الإنتخابات هل تعتقدين إنها سوف تعود لمجالسكم من جديد...قالت لي ومنين عرفت ذلك...فعلا اتصلت قبل أيام بصاحبة هذه المجالس وقالت لها إنها مشتاقة لمجالسنا من جديد وسوف تزورنا قريبا....ثم رددت بصوت خافت تريد ننتخبه من جديد ال!!!!!
واقع مؤلم تعيشه المرأة في العراق...وكان الأحرى بالنائبات في البرلمان العراقي أن يتنصلوا عن أحزابهم ويشكلون كتله خاصة بهم لأن الهدف الأول من وضع كوته للمرأة في الدستور العراقي كان منطلقا بإن المرأة هي خير ممثل لبنات جنسها ولكن لم تنجح النائبة العراقية من تفعيل مواد الدستور العراقي التي أنصفت المرأة وبقيت ألمراة العراقية تبحث عن من يمثلها فعلا في البرلمان وتبحث عن من يفعل مواد الدستور العراقي الخاصة بها وهي كثيرة....ولا نخطأ إذا قلنا إن قصور نظر البرلمانيات العراقيات وضعف أدائهم السياسي وتبعيتهم المطلقه لأحزابهم جعلهم يعيشون في دائرة "سي السيد" ويبقى "سي السيد" هذا يتحكم ببوصلة النائبة لإنها لم تكن المرأة المناسبة في المكان المناسب....ومهما إرتفع صوت البرلمانيات في وسائل الإعلام فإن ذلك لا يعكس إستقلاليتهم عن "سي السيد" لإن "سي السيد" قرر إيصالها
فهل تشهد الدورة الجديده نائبات تمثل فعلا المرأة العراقية المظلومه ومتحررات من قيود "سي السيد"؟