العلاقات العراقية السعودية بين المد والجزر ..

 

 

 

 

 

 

 

 

لم ترسو العلاقات العراقية السعودية على بر الامان او العداء انما سارت وما زالت بصورة متذبذبة بين السلب والايجاب ومنذ اكثر من خمسة عقود والعلاقات العراقية السعودية محكومة بعقد تاريخية ودينية لم تنجح في جذب العلاقات الى فضاءات طبيعية تسمح بتطورها بعيدا عن الاشكالات والازمات التي كانت تحاصرها على الدوام .الموقف السعودي من التغيير السياسي الذي حصل في العراق بقي سلبيا رغم مرور عشر سنوات على وقوعه وظلت الحكومة السعودية تبني مواقفها منه على اسس طائفية ومخاوف من تحول العراق الى قوة اقتصادية عسكرية منافسة لها ،خصوصا وان الفيتو السعودي على منح الشيعة في العراق اي نفوذ او دور سياسي كبير ومؤثر في السلطة اصبح حجر الزاوية في التعامل الدبلوماسي مع العراق بشكله وهويته السياسية الحالية.الرياض ترغب وكما كانت من قبل بعراق تحكمه طائفة واحدة وتهمش بقية الطوائف مثلما كان سائدا في عهد الحكم البعثي  ،بل ترغب بنظام حكم يديره ضباط من الجيش من داخل المؤسسة العسكرية والامنية التي خرجت من معطف التركيبة السياسية التقليدية التي كانت تحكم العراق من العام 1921 وحتى العام 2003 وهي الآراء التي نقلها الحكام السعوديون لواشنطن قبل شروعها بالعمليات العسكرية التي اطاحت بالنظام الدكتاتوري السابق في العام 2003 وعدم رغبتهم في وجود حكام من الطائفة الشيعية التي يعادونها في بغداد. هذه الاراء السلبية التقليدية الطائفية وقفت حاجزا منيعا امام اي رئيس وزراء عراقي ينتسب للطائفة الشيعية في الوصول الى الرياض والتقارب معها وتغيير نظرتها السلبية المعروفة.السعودية وبعد العام 2003 كثفت من ضغوطها وتدخلاتها لاسقاط النظام السياسي الذي تشكل وبعدة وسائل  اما عبر حلفاء سياسيين مقربين منها كانوا على علاقات معها ايام حكم النظام الدكتاتوري السابق بحكم وجودهم في المنفى لديها وتعاملهم معها من قبل او عبر دعم تشكيلات ارهابية مسلحة بالاموال والاسلحة من اجل استنزاف الحكومة العراقية وانهاكها واضعافها وربما الاطاحة بها لاحقا عبر دعم انقلاب عسكري تموله هي .السعودية وفي ذروة مواقفها العدائية من بغداد خلال تلك الفترة لوحت بتدخل عسكري عبر فتح مقرات ميدانية وحملات تمويل ضخمة  لتشكيل جيش طائفي يجتاح العاصمة بغداد عند انسحاب القوات الاميركية منها ،لكن الاستياء الاميركي من هذه الخطة التي كشفها المستشار السياسي للملك السعودي دفعت بالرياض الى اقالة المسؤول عنها نواف العبيد والتراجع عنها ،لكن السعودية  حتى هذه اللحظة لا تزال ترفض فتح سفارة لها في بغداد والاعتراف بالنظام السياسي في العراق.الموقف العراقي الودي تجاه الرياض لم يواجه بتفهم ورغبة سعودية جادة بالحوار فهي تغلق جميع القنوات وتصر على الاصغاء لآراء الجهات المناهضة للحكومة العراقية وتبني مواقفها السياسية عليها ،بل وتطرح اراء تمثل تدخلا سافرا بالشأن العراقي حين تتهم الحكومة باضطهاد مكون عراقي معين وسلبه حقوقه السياسية والدستورية وهي آراء وطروحات وان كانت بعيدة عن الواقع الا انها تعكس ازدواجية في المواقف فالسعودية بلد لا يوجد فيه اي دستور يضمن حقوق المكونات والطوائف السياسية والدينية والثقافية والملك ذو صلاحيات مطلقة والحكومة غير منتخبة والعائلة المالكة هي المتحكمة بامور الثروة والسلطة  والمكونات الاجتماعية لا يسمح لها بأن تمارس طقوسها وعباداتها وشعائرها الدينية ،بل ان الكتب والمناهج التعليمية الرسمية تصف علنا على سبيل المثال اتباع الطوائف الشيعية والاسماعيلية مثلا بانهم كفرة لا يجوز التعامل معهم وطعامهم نجس كالمشركين بحسب فتوى احد مشايخ المذهب الرسمي للدولة .كما انه يحظر مثلا على اتباع المذهب الشيعي في المنطقة الشرقية الانضمام الى القوات المسلحة او البوليس وليس مسموحا لهم بالدخول الى الكلية الحربية او الطيران او الشرطة ،بل ان اقصى ما يستطيع ان يحصل عليه الشيعي في السعودية هوعامل خدمة اومعلم بسيط في مدرسة ابتدائية. هناك تقارير تؤكد بان امراء في الاسرة السعودية الحاكمة يستولون على الاراضي في المنطقة الشرقية المعروفة بالاحساء  الغنية بالنفط وهي ملك لمواطنين شيعة وبيعها الى شركات استثمارية من دون تعويض ملاكها الحقيقيين. المملكة لا يوجد فيها احزاب ولا برلمان ،بل هناك مجلس للشورى يعين الملك اعضاءه من الموالين له والمقربين من غير المعارضين مما لا يجعل له  اية قيمة في اصدار القرارات والتشريعات ،فضلا عن ان المملكة لا تزال تحظر على المرأة قيادة السيارة وترفض التخلي عن هذا المنع ومنح المرأة السعودية حريتها. الصحافة الاميركية وصفت ذات مرة الملك السعودي الحالي عبد الله اثناء زيارة الرئيس اوباما الى المملكة بانه شخص قادم من القرون الوسطى ويفتخر بانه يمتلك العبيد وهذا يعد اهانة للولايات المتحدة التي خاضت حربا دامية من اجل الغاء الرق والعبودية بحسب وصف الصحف الاميركية. والمواقف السعودية المناوئة للتقارب مع بغداد تعكس في الواقع شعورا سعوديا متطرفا يعادي الحكومة العراقية وشعب العراق ورغبة جامحة في انتهاك السيادة العراقية واضعافها فهي صاحبة الرقم القياسي في اعداد الارهابيين والانتحاريين الذين غزوا الاراضي العراقية بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق واحدهم كان مسؤولا عن تفجير ضريح الامامين العسكريين (ع) الذي كاد ان يشعل ارض العراق بحرب طائفية مدمرة  ، ان امنطق الواقعي وتطور سير الحياة يلزم حكام السعودية بان يتلمسوا الواقع ويعيدوا حساباتهم وفق الموقف العالمي الراهن ويتركوا احلامهم المريضة وتخيلاتهم الطوباوية ويبنوا علاقات دبلوماسية مع العراق مبنية على المصالح المشتركة واحترام السيادة  وعدم التدخل في الشئون الداخلية ..