الارهاب والتدافعات السياسية وأثرهما على الأداء الحكومي

 

 

 

 

 

 

تُعد الصراعات السياسية والمناكفات أحد الأسباب الرئيسية في ادامة الفوضى المنتشرة واستمرار الارهاب المتنامي في مدن العراق، فكلما ارتفعت حدة الصراعات أعطت جرعة منشطة جديدة للارهاب ليمارس الانشطة التدميرية، وفتحت ثغرات اكبر لإختراق المؤسسة الأمنية في العراق.. وبلا شك تتحمّل القوى المشاركة في الحُكم المسؤولية القانونية والاخلاقية مرتين: الأولى الجزء التضامني كونهم شركاء في ادارة الدولة، والثانية ما تسببه المناكفات السياسية والتشهير العلني المغرض من عرقلة للعمل الحكومي واعاقة للجهد الرسمي المبذول.

 وفي حقيقة الأمر، ليست شجاعة الاعتراف بالخطأ وحدها الغائبة عن المشهد السياسي للشركاء، بل يضاف لها ايضاً، الأساليب الالتوائية التي يرومون من خلالها ايقاع اللوم مباشرة على دولة رئيس الوزراء شخصيا الذي يعمل قدر استطاعته لايصال السفينة العراقية الى شاطئ الاستقرار الامني والخدمي، ليقفوا هم بالنتيجة في الصف المناوئ للجهد الحكومي وجهد الدولة العراقية من حيث يعلمون أو لايعلمون.

وان مثل هذا السلوك المتسم بالعدوانية المتأصلة في نفوس الشركاء السياسيين والذي رافق الأمد الطويل للشراكة كان الشعب بالدرجة الاولى هو الضحية الأكبر لهذه السلوكيات السياسية التي تسببت في دفع الفواتير المتتالية من نزيف الدم المتواصل للأبرياء، وبالمقابل فالحكومة العراقية تجد نفسها هي الاخرى في موقف لايحسد عليه خاصة مع الجهود الجبارة المبذولة لمحاربة الارهاب والنهوض بالواقع الخدمي ألا أن هذه الجهود عادة ما تصطدم بصخرة الخصومة السياسية المفتعلة من قبل الشركاء قبل ان تجد طريقها لمجابهة الفعل العدواني للارهاب. الى الدرجة التي يمكن معها القول، بأن افشال الجهد الحكومي بات قاسما مشتركا بين الشركاء والاعداء على حد سواء.

لقد تم لأغلب هذه الاطراف السياسية ما أرادوا من خلافة للنظام الصداّمي المقبور ورغم انهم في عهد سياسي ديمقراطي جديد ألا ان التعامل مع الحكومة العراقية لايبدو مختلفا كثيرا من حيث التسقيط السياسي والنيل من الاداء بدلاً من الاسهام في تصويب الخلل الذي هم جزء أساسي فيه ومنه. فان الفساد الاداري والمالي يضرب بأطنابه في وزارات يشغلها افراد من هؤلاء الشركاء حيث لا يشكل شخص رئيس الوزراء سوى صوتا واحدا داخل مجلس الوزراء الذي يشغل الغالبية العظمى من مسؤولياته افراد متحزبون لهذه الكتل السياسية التي تقف اليوم حجر عثرة في طريق الاداء الحكومي نكاية بشخص السيد المالكي لاغير.

ان الأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى على عرقلة الاداء الحكومي، فإن النائب السابق لرئيس الجمهورية طارق الهاشمي ومسؤوليته عن التخطيط والتنفيذ للعديد من العمليات الارهابية بصورة علنية غير خافية على احد والادانة القضائية ليست ببعيد عن أذهان العراقيين أيضا، وكذلك وزير الدفاع العراقي السابق عبد القادر العبيدي واختلاس الاموال الطائلة من وزارة الدفاع العراقية وتسويقه العقود المزيفة ، وكذلك جريمة مصرف الزوية وتورط نائب رئيس الجمهوية السابق من المجلس الاعلى، اضافة الى نواب كتلة الاحرار ومذكرات التوقيف الصادرة بحقهم بسبب فسادهم الاداري الذي أزكم الانوف .. وهناك الكثير من الأمثلة التي لم تجد طريقها الى الاستنكار من قبل هذه الكتل السياسية التي تدعي النزاهة والحرص على مستقبل الشعب العراقي والمتطلعة لتطبيق الشريعة الاسلامية وهم سارقون!.

من الملاحظ ، وفي عقب كل عملية ارهابية تودي بحياة وممتلكات العراقيين، يهرع اعضاء وممثلي هذه الكتل الى شاشات التلفزة و وسائل الاعلام الاخرى لإلقاء اللوم على الحكومة وتوجيه النقد الحاد للأجهزة الأمنية حتى قبل الادانة او استنكار الافعال الارهابية التي لن تسمعها منهم الا في المحيط الضيق و ذيل اللقاءات او يتم تجاوزها في اغلب الاحيان بالمطلق. حتى اسهمت هذه القوى السياسية في الدفع بالرأي العام في هذا الاتجاه : أي النظر الى العمليات الارهابية على انها كوارث طبيعية يومية تتحمل الحكومة وحدها عملية التقصيرفي اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة لتفاديها، وبذلك تكون هذه القوى قد جرّدت الحكومة العراقية من الغطاء السياسي والاعلامي الذي تحتاج له في مواجهاتها اليومية مع الارهاب.

أما التنظيمات الارهابية فقد وصل الانحطاط الاخلاقي بها، حدا لايوصف . حيث وبالإضافة الى القتل العشوائي للأبرياء على ايدي شذاذ الآفاق فالإساءات المتعمدة للدين قد وصلت حدا لايطاق، فمن جهاد النكاح الى الشذوذ الجنسي الذي تترجمه علب الفياغرا المتناثرة في الأماكن التي تسيطر عليها الاجهزة الأمنية .. ومع ذلك فان الماكنات الاعلامية للقوى السياسية الشريكة في الحُكم تتحين الفرص لتصيد أخطاء الحكومة والأجهزة الأمنية ، بدلا من السعي لفضح الارهاب وتعبئة الجهود الشعبية في معركة الدولة العراقية مع المجاميع الارهابية المنحدرة نحو العراق من كل حدب وصوب. 

إن المستويات الشعبية سواء على الصعيد الاسلامي والمسيحي أو القوميات والمذاهب قد نسجت وبشكل عفوي و ذاتي قدر كبير من التلاحم والتآزر في علاقة بعضها مع البعض الآخر، نتيجة الشعور المشترك في بأن الجميع هدف للخطر الارهابي القادم من وراء الحدود بحثا عن حواضن ومفاقس للتفريخ . لكن ورغم ذلك فان بعض القوى السياسية من حملة الأجندات لا زالت تنفخ سمومها كالأفاعي في جسد الدولة العراقية  وبالذات في الجسد الحكومي بدافع التشفي والتدافع نحو المصالح الحزبية والشخصية.