دورة الفساد في العراق.. كدورة المياه في الطبيعة |
المتعارف عليه في أوساط المجتمعات التي تمنهجت أنظمتها بالديمقراطية أن المتصدين لإدارة تلك المجتمعات يتنافسون فيما بينهم على أسس وضوابط متفق عليها ولا مناص من العمل بموجبها وتصب في مجملها على الكيفية الحقيقية والآلية المتوخاة في الإدارة الحكيمة ومحاربة الفساد على ضوء معطيات واقعية ودراسات ميدانية موضوعة من قبل ذوي الاختصاصات والكفاءات العلمية والإدارية والاقتصادية والسياسية ووضع الخطط والرؤية المستقبلية للنهوض بتلك المجتمعات من خلال إحتواء الطاقات البشرية وإستغلال القدرات الإبداعية وتسخير الموارد الطبيعية نحو الحياة الحرة الكريمة وسعي أكثر للرفاهية والرخاء والسعادة والهناء . هذا ماجرت عليه العادة لدى تلك المجتمعات التي تنظر للدنيا بعين الإنسانية والتي غابت عيون مجتمعنا عن النظر لها ، أو عميت عيونها عن فرز الإنسانية في نظرتها للدنيا . هنا .... بلوغ السلطة لايأتي من خلال طرح البرامج المستقبلية للعمل والنهوض الواقعي بالبلد والإخلاص والأمانة في القول والعمل .. أبداً أبداً أبداً بل من خلال توظيف الفساد وبكل أبعاده وتفرعاته وجوانبه لبلوغ السلطة ومن خلال الإستغلال والتمويه وإتباع كافة السبل المشروعة وغير المشروعة وإن كانت الغير مشروعة هي الأرجح في أغلب الأحيان ، يبدأ التمويه بين نفس الكتل السياسية المتحالفة والمتآلفة فيما بينها ففي الوقت الذي تتآلف في كيان تنفرد بكيان وتتوزع في كيانات أخرى ، ثم لبس الأقنعة الملائكية لإستغلال الطبقات الفقيرة والمعدمة من خلال الزيارات لها في فترة الانتخابات فقط لبيان المظلومية من جهة والنصرة من جهة أخرى للدين والمذهب والقومية والمناطقية والاستحقاقات وغيرها ، إضافة إلى شراء الذمم هنا وهناك من خلال الوعود الكاذبة ، أو إستغفال العامة عبر الاشتراك معهم في إحياء مناسبة دينية والحرص على تكثيف الخطابات الوطنية فيها أو توزيع بعض المواد الغذائية على العوائل المتعففة وربما قطعة من القماش إلى الأرامل والأيتام .. وإذا ماأضفنا لكل هذا إستغلال المؤسسات الحكومية وأدواتها ومعداتها وإمكاناتها في الترويج لهذا الطرف أو ذاك ليصبح الفساد في أعلى مستوياته . ولن تجد من له رؤية واضحة وبرنامج حقيقي ممكن تطبيقه أو النزر اليسير منه على أرض الواقع مطلقاً بل لايتعدى كونه خطاب من خطابات الأحلام والتمنيات التي لاتمت للواقع بأي صلة . وبعد أن يسدل الستار على هذه المرحلة .. تبدأ مرحلة أكثر قسوة وتجني على مقدرات الشعب بعد نزع ذلك القناع عند الوصول إلى السلطة من خلال إستغلالها وتوظيفها لممارسة الفساد بكل أشكاله وأنواعه وتفرعاته وعلى كافة المستويات في ظل عدم وجود أي واعز أخلاقي أو رادع قانوني أو شرعي أو حتى عرفي .. ويصبح الحال السلطة في واد والشعب في واد طيلة فترة مكوث المتسلطين في السلطة .. إلى أن يحين وقت الانتخابات القادمة .. فينزل هؤلاء إلى الشعب لتعاد نفس الكرة مرة ثانية وهلم جرى وهو مايعرف بتوظيف الفساد لبلوغ السلطة ثم توظيف السلطة لممارسة الفساد..
|