ثمّة خطاب ليس بجديد يروّج له الحاكمون في بلدي اليوم وهو إن لم ينجح السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في ولايته الثالثة سيكون مصير البلد الفوضى والتقسيم. قالها اكثر من عضو في ائتلاف الحزب الحاكم وفي اكثر من مناسبة في الآونة الاخيرة. باختصار شديد، هذا القول يشبه قول ذلك الشويعر الذي انشد في "حضن" الدكتاتور يقول: "اذا قال صدام قال العراق"، حيث كان صدام عند اتباعه يساوي العراق وغيابه يعني الفوضى والتقسيم.
السؤال الذي يحيرني من مدة، لماذا تنشغل احزابنا في صناعة "رمز" بينما تتفانى احزاب العالم الغربي في صناعة "مؤسسة"؟
في الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال، يتنافس الحزبان الرئيسيان، الجمهوري والديمقراطي، على برامج انتخابية بحتة قبيل الانتخابات الرئاسية العامة ولا احد منهم يجتر خطاب الرموز او صناعة البطل. لا احد مثلاً يقول تسقط امريكا بسقوط "فلان"!
ينسى الناس الرئيس بمجرد خسارته وخروجه من البيت الابيض وبالكاد يذكر البعض اسمه. انه ابن مؤسسة تنظيمية وليس رمزاً فريداً ترتبط به كبائر الامور وصغائرها كما هو الحال عندنا نحن في العراق او في دولنا العربية الاخرى.
لعل حزب الدعوة الاسلامية هو الحزب الوحيد في العراق الآن يؤمن بالقيادة الجماعية ولا يوجد رئيس له مثل بقية الاحزاب الاخرى. وهذه مفارقة مضحكة اذ يقود الدعوة مجلس من تسعة اشخاص، يكون الناطق باسمهم بمثابة رئيس فخري غير قادر على اتخاذ اي قرار دون التصويت عليه داخل ذلك المجلس، في حين جُبِل الدعويون على صناعة شخوص تتضخم على حساب الحزب نفسه، بدلاً من صناعة مؤسسة قادرة على انتاج نخب سياسية باستمرار! حصل هذا مع السيد ابراهيم الجعفري في السابق واليوم يحصل نفس الشيء مع السيد المالكي.
اليوم وبدلاً من ان يقدم لنا حزب الدعوة برنامجاً انتخابياً يقنع فيه الناخب للتصويت، يُسمعنا ما يشبه "التهديد" من ان المالكي صمام امان العراق وبغيابه ستقتلنا الفوضى وينهشنا التقسيم وكأنهما لم ينالا منّا بعد؟
انه لعمري خطاب بائس يؤرخ لنا مرحلة سقوط الحزب، ايّما حزب، طالما ربط مصيره بشخوص وليس ببرامج. تجربة البعث حاضرة امامنا كيف سقط بسقوط "رمزه" صدام، والحال يجري مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حيث يفتقر اليوم للرمز ورمزه الاوحد عليل في مستشفيات الغرب، بينما كتلة "التغيير" المنفلقة من هذا الحزب تواصل قضمها لانصار "اليه كه تي" مدينة بعد اخرى.
نصيحتي لحزب الدعوة الاسلامية ولكل الاحزاب الاخرى ألاّ تنشغل بصناعة انوات تحيا بأسمائها وتسقط بسقوطها، بل يجب عليها ان تهتم بنفسها كأحزاب واطر تنظيمية خصبة، قادرة على قيادة الحياة السياسية بدماء متعددة متجددة.
لقد ضاع صوت الاحزاب في صورة رموزها وضاع معه الامل في قيام ديمقراطية مؤسسات، طالما بقي الحزب عندنا حزب "رمز" وليس حزب "فكر".
|