لسنا غسّالي صحون

 

قد لا أثير بلبلةً حين أدّعي بأن العراقي تفوق على أقرانه في جلد الذات، وقد لا آتي بجديد حين اقول بأن البحث عن خطايا المجتمع وتتبع سقطات الناس صار "سولة" عند العراقيين دون غيرهم.

 

فالاعلام المرئي منه والمقروء، ومواقع التواصل الاجتماعي، والدراما التلفزيونية كلها تقف معي في دعواي بأننا شعب جلّاد لذاته، لا يرى سوى أخطائه، غير مكترث لسمعته ولا معنياً بسبل تحسين صورته أمام العالم.

 

لا اعتراض البتة ان نتكاشف ونؤشر على اخطائنا كمجتمع حيّ غير آيل للسقوط، ولكن ما الجدوى من المكاشفة دون اقتراح للحلول، وما فائدة التأشير على السلبيات دون رسمٍ لخارطة التصحيح؟!

 

هل بات الكشف عن عوراتنا غاية نتسلى بها ونقضي بها اوقات الفراغ؟!

أم صرنا كمن يضرب رأسه بالحائط كي يخفف من الصداع، فيزيد ألمه؟!

 

هل تدرون يا سادتي بأن سمعتنا صارت "زفت"، وبات يتطاول علينا حتى سقط المتاع من القوم؟! وهل تنبّهتم لتشفّي اشقائنا العرب على صفحات تويتر وفيسبوك حين قفزنا الى مصاف الدول الأكثر فساداً بالعالم بحسب تقارير منظمة الشفافية العالمية؟!

 

أنا لا ادري ما الغاية من ان نشوه سمعة اهلنا؟! وما الداعي ان نصور للآخرين بأننا لصوص وفاسدون، واننا شعب ساقط يكره بعضه بعضاً ويقتل بعضه بعضاً؟!

 

بالله عليكم هل قرأتم مصرياً ذيّل منشوره بعبارة "مصر العفنة" كما يفعل الكثير من العراقيين؟!

 

وهل سمعتم في الدراما السورية عبارة "احنه السوريين ماتصير لنا چارة.. نگريّة" كما يجري في الدراما العراقية؟!

 

الدراما العراقية التي تصوّر في الكثير من مشاهدها، تصور العراقي چذاب، نگري، مزوّرچي، حرامي ... الخ من مصخّمات الوجه ومشوّهات السمعة.

ثم تنتقل في مشاهد مكررة لترسم صورة العراقي الهارب من جحيم الحروب الى بلدان المهجر فتعطيه صفة زبّال او كنّاس او غسّال صحون "في افضل الأحوال"!

 

وكأنها تريد ان تقول بأن من في الداخل لص ومن في الخارج زبّال مهدور الكرامة! وبالرغم من ان "العمل عمل" كما يقول الأوربيون، ولا فرق بين طبيب وغسّال صحون عند المجتمعات التي تحترم نفسها، إلا ان تصوير عراقيّ الخارج على انهم زبّالون وغسّالو صحون وتنابل يعتاشون على المساعدات فيه من الحيف الكثير، والاجحاف بحق الكثير من الكفاءات العلمية والأدبية واصحاب الشهادات العالية الذين رفعوا سمعة العراق يوم نكّستها الدراما وصخّمها الإعلام. 

 

نعم هنالك من اساء لنفسه وبلده حين رضي عيشة الذل والهوان، لكن التعميم ظلم يطال الكثير.

 

ثم ما سر الإصرار على تسويق مقولة: العراقي فاشل حتى لو وضعته في القمر؟! 

 

وهل تشمل المروجين لها أم انهم هنودٌ لا ناقة لهم في العراق ولا جمل؟!

 

الفاشل فاشل سواء كان في الداخل ام في الخارج، والناجح كذلك، لبديهية تقول بأن للنجاح والفشل معانٍ لا يحدها مكان ولا يقيدها زمان، فهل يعي اهل الإعلام وصنّاع الدراما ذلك؟ لا أظن!