بعض الجوانب المشرقة من حياة أمير المؤمنين / الجزء العاشر... عبود مزهر الكرخي |
وقعة ذات السلاسل وتسمَّى أيضاً وقعة وادي الرمل. وكان سببها أنَّ عدداً من الأعراب قد اجتمعوا لغزو المدينة ـ وعددهم اثنا عشر إلفاً في وادي الرمل ـ على حين غفلة من أهلها ، فوفد أعرابي على نبيِّ الله وأخبره بالأمر ، فقد بعث رسول الله (ص) إلى أهل وادي اليابس «ذات السلاسل» عدداً من الصحابة كأبي بكر وعمر، فكان كلٌ منهم يرجع الى رسول الله (ص) ولا يقاتلهم(1) : ، ثُمَّ أرسل عمرو بن العاص(٢)، فعاد كما عاد صاحباه. إلى إن بعث (ص) علياً(ع) إلى تلك المنطقة يكمن النهار ويسير الليل، حتى وافى القوم بسحر ، وصلَّى بأصحابه صلاة الغداة ، وصفَّهم صفوفاً واتَّكأ على سيفه وانقضَّ بمن معه على القوم على حين غفلة منهم ، وقال : « يا هؤلاء ، أنا رسولُ رسولِ الله ، أن تقولوا : لا إله إلا الله محمَّد رسول الله ، وإلا ضربتكم بالسيف ». فقالوا له : أرجع كما رجع صاحباك. قال : « أنا أرجع! لا والله حتَّى تسلموا ، أو لأضربنَّكم بسيفي هذا ، أنا عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب ».(٣) فاضطرب القوم ، وأمعنوا بهم قتلاً وأسراً ، حتَّى استسلموا له ، وتمَّ الفتح على يده. فأوقع بهم. و«سميت هذه الغزوة ذات السلاسل لانه (ع) اسّر منهم وقتل وسبى وشد أسراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل. ولما نزلت سورة [العاديات] خرج رسول الله (ص) إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها: (والعادياتِ ضَبحاً . فالمورياتِ قَدحاً)(4) فلما فرغ من صلاته قال اصحابه: هذه سورة لم نعرفها. فقال رسول الله (ص): نعم ان علياً ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبرائيل (ع) في هذه الليلة، فقدم علي (ع) بعد أيام بالغنائم والاسارى».(5) وعن أمُّ سلمة قالت : كان نبيُّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلاً في بيتي؛ إذ انتبه فزعاً من منامه ، فقلت : الله جارك ، قال : « صدقت ، الله جاري ، ولكن هذا جبرئيل يخبرني أنَّ عليَّاً قادم ». ثمَّ خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليَّاً ، وقام المسلمون صفَّين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمَّا بصر به عليٌّ عليهالسلام ترجَّل عن فرسه ، وأقبل عليه يقبِّله. فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أركب ، فإنَّ الله ورسوله عنك راضيان » فبكى عليٌّ عليهالسلام فرحاً و اغرورقت عينا علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بالدموع استبشاراً ، فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه و آله ) في شأن علي قولته المعروفة : " يا عليّ لَولا أَنّي اُشفقُ أن تقولَ فيك طوائف مِن اُمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلتُ فيك اليوم مقالاً لا تمرُّ بملأَ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك "(6).وانصرف إلى منزله. ونزلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سورة العاديات لهذه المناسبة.(7) وهذه الغزوة لم يتم التطرق إلا بمرور السريع لأن لها فيها الدور الأكبر لأمير المؤمنين وانتصار المسلمين كان على يد الأمام علي(ع) وهذا لا يتماشي مع أهواء الأمويين وباقي المبغضين لأهل البيت لهذا تم التعتيم عليها وعدم الإشارة غليها وحتى تزويرها وهذا هو قدر بسيط من تزييف وظلم التاريخ للأمام علي روحي له الفداء، وهذا غيض من فيض. ماكنة تزوير التأريخ: كيف استطاع السلاطين تزوير ماكنة التأريخ بحيث إن تلك الواقعة مُحيت من الكتب التأريخية؟ وما هو حجم الماكنة الإعلامية والروائية التي حاولت مسح تلك الواقعة العظيمة من لوح التأريخ؟ تلك الواقعة التي قال عنها بعض المؤرخين بأنها اشهر مواقفه (ع) أيام النبي (ص).(8) لا شك ان الباحث المنصِف لا يجد بداً من الايمان بان ماكنة السلطان الضخمة في قلب الحقائق وتزوير المفاهيم، قد وجدت في معركة «ذات السلاسل» حقائق كبيرة ينبغي إخفاؤها عن الأجيال الجديدة. حتى لا ينتشر ذكر علي بن أبي طالب (ع) ولا يمتد فضله في ارجاء الدنيا والتأريخ. فلم يذكر ابن هشام في سيرته غير القضايا الهامشية عن تلك الغزوة، فيُعنّونها بعنوان: «غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل» ويقول: «وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من ارض بني عُذرة. وكان حديثه ان رسول الله (ص) بعثه يستنفر العربَ إلى الشام. وذلك إن أم العاص بن وائل كانت امرأةً من بليّ، فبعثه رسول الله (ص) اليهم يستألفهم لذلك. حتى إذا كان على ماء بأرض جُذام، يقال له السَّلسل، وبذلك سُمّيت تلك الغزوة، غزوة ذات السلاسل. فلما كان عليه خاف، فبعث الى رسول الله (ص) يستمدّه. فبعث اليه رسول الله (ص) أبا عُبيدة بن الجرّاح في المهاجرين الأولين، فيهم ابو بكر وعمر ؛ وقال لأبي عبيدة حين وجهه: لا تختلفا. فخرج أبو عبيدة حتى اذا قدم عليه، قال له عمرو: إنما جئتَ مَدداً لي. قال ابو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه. وكانت أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً، هيناً عليه أمر الدنيا، فقال له عمرو: بل أنت مدد لي. فقال له أبو عبيدة: يا عمرو، إن رسول الله (ص) قال لي: لا تختلفا. وانك إن عصيتني أطعتُك. قال: فانّي الأمير عليك، وأنت مددٌ لي. قال: فدونك. فصلى عمرو بالناس»(9) ومع ان النص يظهر إن أبا بكر وعمر كانا ضمن جنود الجيش ولم يكونا من قادته، ويُظهر الاختلاف بين عمرو بن العاص وأبو عبيدة، ويُظهر حجم طموح عمرو بن العاص نحو الرئاسة وحب الدنيا، إلا انه لا يُظهر طبيعة المعركة من حيث النصر أو الهزيمة. فكيف يمكن لمعركة بتلك الضخامة ان تطوى من صفحات التأريخ لمجرد إن أبا بكر وعمر انهزما فيها، وانتصر علي (ع) على المشركين؟»(10) فهذا هو تاريخنا ومدى التحريف به وهذا نموذج منه من كتب الصحاح به ونترك الحكم للقاريء. عليّ (عليه السلام) في فتح مكّة (*) : ساد الهدوء والسلم الأجواء المحيطة بقريش والمسلمين ، والتزم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بكامل بنود الحديبية ، غير أنّ قريشاً كانت تنوي نقض المعاهدة ، وقد تصوّرت أن ضعفاً أصاب المسلمين بعد انسحابهم من معركة (مؤتة) منهزمين ، فأدّى استخفافها بالمسلمين إلى التآمر على أحلاف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من خزاعة ، فحرّضت بعض أحلافها من بني بكر ، فوقعت بينهما مناوشات فتغلّب بنو بكر بمعونة قريش على خزاعة ، وبهذا فقد نقضت قريش المعاهدة وأعلنت الحرب على المسلمين . إنّ النبي (ص) لما أراد فتح مكة ، سأل الله جلّ اسمه أن يُعمي أخباره على قريش ليدخلها بغتةً ، وكان (ص) قد بنى الأمر في مسيره إليها على الاستمرار بذلك ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ، يخبرهم بعزيمة رسول الله (ص) على فتحها ، وأعطى الكتاب امرأةً سوداء كانت وردت المدينة تستميح الناس وتستبرّهم ، وجعل لها جُعلاً أن توصله إلى قوم سمّاهم لها من أهل مكة ، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق ، فنزل الوحي على رسول الله (ص) بذلك ، فاستدعى أمير المؤمنين (ع) وقال له : " إنّ بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا ، وقد كنت سألتُ الله أن يعمي أخبارنا عليهم ، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق ، فخذ سيفك وألحقها ، وانتزع الكتاب منها وخلّها ، وصر به إليّ " ثم استدعى الزبير بن العوام وقال له : " امضِ مع عليّ بن أبي طالب في هذا الوجه " .. فمضيا وأخذا على غير الطريق فأدركا المرأة ، فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرت ، وحلفت أنه لا شيء معها وبكت ، فقال الزبير : ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً ، فارجع بنا إلى رسول الله (ص) نخبره ببراءة ساحتها ، فقال له أمير المؤمنين (ع) : يخبرني رسول الله (ص) أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها ، وتقول أنت أنه لا كتاب معها ؟.. ثم اخترط السيف وتقدّم إليها فقال : أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنّك ثم لأضربنّ عنقك ، فقالت : إذا كان لابدّ من ذلك فأعرض يا بن أبي طالب بوجهك عني ، فأعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها ( أي ضفيرتها ) ، فأخذه أمير المؤمنين وصار به إلى النبي (ص) فأمر أن ينادي : الصلاة جامعة ، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم ، ثم صعد النبي (ص) إلى المنبر ، وأخذ الكتاب بيده وقال : " أيها الناس !.. إني كنت سألت الله عزّ وجلّ أن يخفي أخبارنا عن قريش ، وإنّ رجلاً منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا ، فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي " فلم يقم أحدٌ ، فأعاد رسول الله (ص) مقالته ثانيةً وقال : " ليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي " فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف ، فقال : أنا يا رسول الله صاحب الكتاب ، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي ، ولا شكّاً بعد يقيني .. فقال له النبي (ص) : " فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب ؟.. " قال : يا رسول الله !.. إنّ لي أهلاً بمكة وليس لي بها عشيرة ، فأشفقت أن تكون دائرة لهم علينا ، فيكون كتابي هذا كفّاً لهم عن أهلي ، ويداً لي عندهم ، ولم أفعل ذلك للشكّ في الدين . فقام عمر بن الخطاب وقال : يا رسول الله !.. مرني بقتله فإنه منافق ، فقال رسول الله (ص) : " إنه من أهل بدر ولعلّ الله تعالى اطّلع عليهم فغفر لهم ، أَخرجوه من المسجد!.. " فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه ، وهو يلتفت إلى النبي (ص) ليرقّ عليه ، فأمر رسول الله (ص) بردّه ، وقال له : " قد عفوت عنك وعن جرمك ، فاستغفر ربك ولا تعد بمثل ما جنيت ".(11) وعند خروج النبي من مكة نحو المدينة في هجرته، التفت خلفه إليها وقال : " الله يعلم أنني أحبك ، ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت عليك بدلاً ، وإني لمغتمٌّ على مفارقتك " فأوحى الله إليه : يا محمد !.. العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : سنردّك إلى هذا البلد ظافراً غانماً سالماً قادراً قاهراً ، وذلك قوله تعالى :{ إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد }(12) يعني إلى مكة غانماً ظافراً . فأخبر بذلك رسول الله (ص) أصحابه فاتصل بأهل مكة فسخروا منه ، فقال الله تعالى لرسوله : سوف يظفرك الله بمكة .... الخبر.(13) ولمّا أتمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الاستعدادات والتجهيزات اللازمة للخروج إلى مكّة ؛ أعطى لواءه إلى عليّ (عليه السلام) ووزّع الرايات على زعماء القبائل ومضى يقطع الطريق باتّجاه مكّة . ولمّا رأت قريش أنّها لا طاقة لها أمام النبيّ(صلّى الله عليه وآله)والمسلمين؛استسلمت ولم تجد بُدّاً من أن يدخل كلّ فرد منهم داره ليأمن على نفسه انقياداً للأمان الذي أعلنه النبيّ لهم (14). وروي : أنّ سعد بن عبادة كان معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الأنصار ولمّا مرَّ على أبي سفيان وهو واقف بمضيق الوادي ( في الطريق إلى مكّة ) قال أبو سفيان : من هذه ؟ قيل له : هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة مع الراية ، فلمّا حاذاه سعد قال : يا أبا سفيان ، اليوم يوم الملحمة ، اليوم تُستحلّ الحرمة ، اليوم أذلّ الله قريشاً ، فلمّا مرَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأبي سفيان وحاذاه أبو سفيان ناداه : يا رسول الله ! أمرت بقتل قومك فإنّه زعم سعد ومن معه حين مرّ بنا أنه قاتلنا فإنّه قال : اليوم يوم الملحمة ... أنشدك الله في قومك ، فأنت أبرّ الناس وأرحمهم وأوصلهم . فقال (صلّى الله عليه وآله) : ( كذب سعد ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم أعزَّ الله فيه قريشاً ، اليوم يعظّم الله فيه الكعبة ، اليوم تكسى فيه الكعبة ) . وأرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى سعد بن عبادة عليّاً (عليه السلام) أن ينزع اللواء منه ، وأن يدخل بها مكّة.(15) ودخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكّة بذلك الجيش الكبير الذي لم تعرف له مكة نظيراً في تأريخها الطويل ، ولواؤه بيد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأعلن العفو العامّ وهو على أبواب مكّة وأعلن العفو وهو على أبواب مكَّة ، وقال لهم:« اذهبوا فأنتم الطلقاء». وأباح دم ستة رجال ، ولو كانوا متعلِّقين بأستار الكعبة ، وأربع نسوة ، هم : عكرمة بن أبي جهل ، وهبار بن الأسود ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح ، ومِقيس بن صُبابة الليثي ، والحويرث بن نُقيذ ، وعبدالله بن هلال بن خطل الادرمي ، وهند بنت عتبة ، وسارة مولاة عمرو بن هاشم ، وقينتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.(16) علي (عليه السلام) وأم هاني يوم الفتح: ويقولون: بلغ علياً (عليه السلام): أن أم هاني بنت أبي طالب آوت ناساً من بني مخزوم، منهم: الحارث بن هشام، وقيس بن السائب، (وعند الواقدي: عبد الله بن ربيعة)، فقصد (عليه السلام) نحو دارها مقنَّعاً بالحديد، فنادى: (أخرجوا من آويتم). فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى، خوفاً منه. فخرجت إليه أم هانئ ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبد الله، أنا أم هانئ، بنت عمِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخت علي بن أبي طالب، أنصرف عن داري. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أخرجوهم). فقالت: والله لأشكونَّك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فنزع المغفر عن رأسه، فعرفته، فجاءت تشتد حتى ألتزمته، وقالت: فديتك، حلفت لأشكونك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال لها: (إذهبي، فبري قسمك، فإنه بأعلى الوادي). قالت أم هانئ: فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في قبة يغتسل، وفاطمة (عليها السلام) تستره، فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلامي، قال: (مرحباً بك يا أم هانئ وأهلاً). قلت: بأبي أنت وأمي، أشكو إليك ما لقيت من علي (عليه السلام) اليوم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قد أجرتُ من أجرتِ). فقالت فاطمة (عليها السلام): (إنما جئت يا أم هانئ تشتكين علياً (عليه السلام) في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله)؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قد شكر الله لعلي (عليه السلام) سعيه، وأجرتُ من أجارت أم هانئ، لمكانها من علي بن أبي طالب).(17) ونورد هذه الحادثة للدلالة على مدى صلابة وإيمان الإمام علي(ع) وتنفيذه لأوامر الرسول محمد(ص)والذي لا تأخذه في الحق لؤمة لائم لأنه هو من قال عنه رسول الله (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار) صعود عليّ (عليه السلام) على منكب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتحطيم الأصنام : روى الحافظ النسائي بسنده عن أبي مريم قال : قال علي (عليه السلام)(18): انطلقت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أتَينا الكعبة فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على منكبي ، فنهض به علي (عليه السلام) ، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضعفي قال لي : اجلس فجلست ، فنزل النبي (صلى الله عليه وآله) وجلس لي وقال لي : اصعد على منكبي ، فصَعدتُ على منكبه فنهض بي ، فقال علي (عليه السلام) : انه يُخَيل إلي إني لو شئت لنلتُ أفق السماء ، فصعدت على الكعبة وعليها تمثال من صفر أو نحاس ، فجعلت أعالجه لأزيله يميناً وشمالا وقدّاماً ومن بين يديه ومن خلفه حتى استمكنت منه . فقال نبي الله (صلى الله عليه وآله) : اِقْذِفهُ ، فقذَفتُ به فكسرته كما تكسَّر القوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا و رسول الله (صلى الله عليه وآله) نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية ان يَلقانا أحد.(19) قال سعيد بن المسيب : فلهذا كان علي (عليه السلام) يقول : سَلوُني عن طرق السموات فاِني أعَرفُ بها من طرق الأرضين ، ولو كشف الغطاء ما أزدَدتُ يقيناً.(20) ومن سخريات القدر ان نجد في أفلامهم التمثيلية وحتى كتبهم الناصبية وفي فيلم الرسالة بالذات أن من كان قائد الجيش وصاحب اللواء هو خالد بن الوليد مع العلم إن كتبهم وصحاحهم تشير على غير ذلك وغير ما أوردناه أنفاً ثم لتكتمل مهزلة تزييف التاريخ بأنه في فيلم الرسالة يوضحون إن بلال هو من اسقط هذا الصنم من فوق الكعبة وهي إشارة واضحة لمقدار كبر ماكنة التزوير التي تشتغل وبقوة ضد الأمام علي(ع) وأدلتنا نوردها كلها ليكون في كل ذلك الحكم هو القارئ الحصيف والفاهم لكي يحكم على كل الأمور. وختام جزئنا نورد هذه الحادثة عن خالد والذين يعتبرونه سيف الله المسلول لتبين مدى تأصل أفكار الجاهلية لدى هذه الشخصية والتي لم ينقها دخوله في الإسلام وإسلامه وهي : وفي الخبر: « بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر ، وقد كانوا أصابوا في الجاهلية من بني المغيرة نسوة ، وقتلوا عم خالد ، فاستقبلوه وعليهم السلاح وقالوا: ياخالد إنا لم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ، ونحن مسلمون، فانظر فإن كان بعثك رسول الله (ص) ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها ، فقال: ضعوا السلاح ، قالوا: إنا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهلية وقد أماتها الله ورسوله (ص) ..الخ. فانصرف عنهم وأذَّن القوم وصلَّوا ، فلمَّا كان في السحر شنَّ عليهم الخيل فقتل منهم ما قتل وسبى الذرية، وجاء رسولهم إلى رسول الله (ص) فأخبره بما فعل خالد بهم ، فرفع يده إلى السماء وقال:اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد وبكى! ثم دعا علياً (ع) فقال: أخرج إليهم وانظر في أمرهم ، وأعطاه سفطاً من ذهب ، ففعل ما أمره وأرضاهم».(21) وأقبل إلى النبي (ص) فقال: ماصنعت؟ فأخبره حتى أتى على حديثهم، فقال النبي (ص) : أرضيتني رضي الله عنك . يا عليُّ أنت هادي أمتي ، ألا إن السعيد كل السعيد من أحبك وأخذ بطريقتك ، ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة ». فتمَّ بذلك موادُّ الصلاح ، وانقطعت أسباب الفساد. وفي خبر من مصدر آخر: «فأدى إليهم ديات رجالهم ، وما ذهب لهم من أموالهم وبقي معه من المال زعبة فقال لهم: هل تفقدون شيئاً من أموالكم وأمتعتكم؟ فقالوا: ما نفقد شيئاً إلا ميلغة كلابنا فدفع إليهم مابقي من المال فقال: هذا لميلغة كلابكم وما أنسيتم من متاعكم . (22) فهذا هو سيف الله المسلول والذي فعلها ايضاً في بني تميم وضع السيف عندما غدر بهم وقتل سيدهم مالك بن نويرة ودخل بزوجته وهي لم تكمل العدة والحادثة معروفة وموثقة في كل كتب التاريخ العامة والخاصة. وفي جزئنا القادم نستكمل أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية تلك الجوانب المشعة ليعسوب الدين وإمام المتقين سيدي ومولاي أبي الحسنين علي بن أبي طالب والتي كلها جوانب مشرقة وتألق تفوح منها كل قيم البطولة والشجاعة والإباء والتي بهذه القيم السامية لأمير المؤمنين قام ديننا الحنيف والتي كانت من أهم الدعائم الأساسية لقيامه ونشره في كافة إنحاء المعمورة وليكون صرح مهم وأساسي في بناء الإنسانية وحضارتها.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر : ١ـ إعلام الورى ١ : ٣٨٢. ٢ ـ انظر : الكامل في التاريخ ٢ : ١١٠ وفيها اختلاف حيث لم يذكر من كان قبله!. ٣ ـ الإرشاد ١ : ١١٣ ـ ١١٦ ، إعلام الورى ١ : ٣٨٢. 4 ـ سورة العاديات 5 ـ رواها علي بن ابراهيم القمي بإسناده عن ابي بصير بن ابي عبد الله (ع) في قوله: (والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً)، وأوردناها ملخصة. 6 ـ الإرشاد : 84 – 86 . 7 ـ انظر : إعلام الورى ١ : ٣٨٣ ، إرشاد المفيد ١ : ١١٦ ـ ١١٧. 8 ـ «الغزوات» - النقدي ص 109. 9 ـ «سيرة ابن هشام» ج 4 ص 272. 10 ـ كتاب الأمام علي .المكتبة الحيدرية.الفصل الخامس عشر واقعة ذات السلاسل ص399 11 ـ جواهر البحار . الجزء الحادي والعشرون كتاب تاريخ النبي محمد (ص)باب فتح مكّة ص119. (*) كان فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمانٍ من الهجرة النبويّة . 12 ـ [ القصص : 85]. 13 ـ جواهر البحار . الجزء الحادي والعشرون كتاب تاريخ النبي محمد (ص)باب فتح مكّةص122 . 14 ـ تأريخ الطبري : 2 / 332 ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : 2 / 243 . 15 ـ تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٩ ، وانظر الطبقات لابن سعد ٢ : ١١٠. 16ـ طبقات ابن سعد ٢ : ١٠٣ ، وانظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٢٣ ، وفيه ثمانية رجال وأربع نسوة. 17 ـ تأريخ الطبري : 2 / 334 ط مؤسسة الأعلمي ، الإرشاد للمفيد : 121 الفصل 34 الباب 2 . بحار الأنوار ج21 ص131 و 132 وج41 ص10 و 11 وإعلام الورى ج1 ص224 و 225 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص376 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص111 والإرشاد للمفيد ج1 ص137 و 138 وكشف الغمة ج1 ص218 والدر النظيم ص180 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص79 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص829 و 830. 18 ـ خصائص النسائي : 31 . 19 ـ رواه الحاكم في مستدرك الصحيحين (ج2 ص366). ورواه الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني في المسند (ج1 ص84 وص 151) مختصراً . وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (ج6 ص407) وقال : أخرجه ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن جرير . وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة (ج2 ص200) وقال : أخرجه أحمد وصاحب الصفوة وأخرجه الحاكمي . ورواه في مستدرك الصحيحين (ج3 ص5) وقال : هذا حديث صحيح الأسناد . ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه (ج13 ص302) . ورواه الحمويني في فرائد السمطين (ج1 ح193 ص249) بسنده عن أبي مريم الثقفي المدائني . رواه السيد شرف الدين النجفي في تأويل الآيات الظاهرة (ج1 ح26 ص286 ط قم) . وفي مصباح الأنوار 148 . وفي البرهان : ج2 ح2 ص441 . وأخرجه في غاية المرام : ح2 ص430 عن مناقب الخوارزمي . رواه العلامة القندوزي عن جمع الفوائد في ينابيع المودة (الباب 48 ص139) . رواه ابن المغازلي في الحديث 240 ص202 من مناقبه ، والحافظ ابن الكلابي المطبوع معه (الحديث 5 ص429) . ورواه الخوارزمي في الفصل 11 من مناقبه (ص71 ط الغري) . رواه أيضاً أحمد بن حنبل تحت الرقم 644 في مسند علي من كتاب المسند (ج2 ص57) عن اسباط بن محمد ، حدّثنا نعيم بن حكيم المدائني ، عن أبي مريم .. الخ الحديث ، ثم قال : قال أحمد محمد شاكر في تعليقه : اسناده صحيح ، نعيم بن حكيم المدائني وَثقَهُ ابن معين وغيره ، وترجم له البخاري في التاريخ الكبير (ج4 ـ 2 / 92) فلم يذكر فيه جرحاً ، وأبو مريم هو الثقفي المدائني وهو ثقة ، وترجم له البخاري أيضاً في (ج4 ـ 1 / 151) ولم يذكر فيه جرحاً . ورواه ايضاً أحمد تحت الرقم (1301) من المسند (ج2 ص325) باختصار . والحديث ذكره في مجمع الزوائد (ج6 ص23) ونسبه لأحمد وابنه وأبي يعلى والبزار ، وقال : رجال الجميع ثقات . ورواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن جرير والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (ج2 ص432) . والحاكم في المستدرك (ج2 ص37 و ج3 ص5) . ورواه المتقي في كنز العمال برقم 430 ج15 ص151 ط2 . ورواه السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص34 وفي ط / 27) 20 ـ قال أحمد في اسناده عن أبي مريم عن علي .. الخ الحديث ، ثم قال : قال سعيد بن المسيب : فلهذا كان علي (عليه السلام) يقول : سَلوُني عن طرق السموات فاِني أعَرفُ بها من طرق الأرضين ، ولو كشف الغطاء ما أزدَدتُ يقيناً. 21 ـ إعلام الورى: 1/228. 22 ـ أمالي الطوسي/498. انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦١ إعلام الورى ١ : ٣٨٦، إرشاد المفيد ١ : ٥٥. |