"نقص التمويل".. هذا التعبير صار كلمة السر أو اللازمة لتبرير فشل حكومتنا بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة، ودولتنا بسلطاتها الثلاث جميعاً، في القيام بدورها وتأدية الخدمات المطلوبة منها. أمس قرأت تصريحاً لمسؤول في وزارة البيئة اشتكى فيه من عدم توفر التقنيات الحديثة والأجهزة اللازمة للكشف عن القنابل العنقودية غير المنفلقة التي تخلفت عن حرب 2003 وتنتشر بكثافة في محافظات البصرة وذي قار وميسان. وسبب عدم التوفر يعود الى "نقص التمويل". قبل انتهاء مهمته في بلادنا حذّر الممثل السابق للامين العام للامم المتحدة مارتن كوبلر من ان العراق يتصدر قائمة الدول الملغومة، فأكثر من 1730 كيلومترا مربعا من أراضيه لم يزل ملوثاً بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، ما يؤثر على 1.6 مليون عراقي في حوالي 4000 من المجتمعات السكانية المحلية. كوبلر انحى باللائمة على "نقص التمويل" بوصفه العائق الرئيس لتنفيذ برنامج إزالة الألغام والذخائر غير المنفلقة. الاسبوع الماضي سلّط أحد أعضاء لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب الأضواء على حال الإهمال التي يعاني منها جهاز المخابرات الذي من المفترض أن يكون في أحسن وضع لمكافحة الإرهاب. النائب نقل عن عاملين في الجهاز لومهم لـ"نقص التمويل" الذي جعل من عمل الجهاز "يقتصر على مراقبة عمل بعض الأحزاب السياسية"!! قبل ذلك بأسابيع كشفت مسؤولة كبيرة في وزارة الاتصالات عن ان وزارتها ستحتاج إلى 50 سنة لتأمين 5 ملايين من خطوط الهاتف الأرضي بتقنيات الألياف الضوئية التي يحتاجها العراقيون (هل يبقى التلفون الأرضي حتى ذلك الوقت!؟)، مشيرة الى "نقص التمويل" أيضاً "هذا المشروع يحتاج الى حوالي ثلثي المبالغ المخصصة لموازنة الوزارة لمد 100 الف خط بالسنة الواحدة فقط". كل الوزارات والمؤسسات والمديريات والأجهزة تشكو "نقص التمويل"، مع ان تقارير وزارة التخطيط وديوان الرقابة المالية متخمة دائماً بالمعلومات عن تلكؤ هذه الوزارات والمؤسسات والمديرات والأجهزة في انفاق كامل موازناتها السنوية. السؤال الكبير: اذا كان "نقص التمويل" هو السبب في عدم توفر ما يلزم لإزالة الألغام والذخائر غير المنفلقة، وعدم توفر ما يحتاج اليه جهاز المخابرات، وعدم توفر ما يؤمن خدمة الهاتف الارضي، وهو السبب ايضاً في عدم إقامة سدود جديدة، وعدم بناء مشاريع زراعية كبيرة، وعدم اعادة احياء المصانع الكبرى المتوقفة عن العمل منذ عشر سنوات، وعدم فتح طرق جديدة، وعدم تشييد موانئ جديدة، وعدم مد خطوط للسكة الحديد جديدة، وعدم بناء شبكة للصرف الصحي تمنع غرق المدن مع اول مطرة خريفية، وعدم حل مشكلة الكهرباء، وعدم بناء مصاف للنفط جديدة، وعدم توزيع حاويات لجمع القمامة حتى في العاصمة بغداد، وعدم ايجاد مكبات للنفايات، وعدم بناء مدارس ومستشفيات ومستوصفات جديدة، وعدم تشييد مجمعات سكنية... و.. و.. و.. و... أين إذاً تذهب مئات مليارات الدولارات النفطية التي تتدفق علينا وتتسلمها الحكومة كاملة غير منقوصة؟
|