لماذا العراق أفسد البلدان؟

 

بالعين المجردة يمكن الذهاب الى نتائج تقرير الشفافية العالمية الذي صنف العراق ضمن أحد الدول الخمس الأكثر فساداً في البلدان العربية، على إن كل شيء انتهى ويجب وضع نقطة في نهاية السطر بعد تلك النتائج وانقطاع الأمل من أي وضع سياسي مقبل للعراق على وفق التسليم بأن أي حاكم جديد سيكون لصاً كبيراً كما الحاكمين الذين حكموه في خلال العقد الأخير. هناك كثيرون لا يسلمون بهذا الرأي فحسب وإنما يستسلمون له على نحو مطلق.

اليأس الذي أصاب العراقيين له آثار على أكثر من جيل و يمكن أن يؤدي الى نتائج أكثر من هذه.
لكن مشكلة العراق أكبر من مجموعة لصوص تحت سقف الشرعية سيقعون في المصيدة ذات يوم.
مشكلة العراق في التحدي المزدوج في بقائه دولة لها سيادة واستقلال بالمعنى الفعلي، وكذلك في الإبتلاء الطائفي الذي لن يسلم أحد موهوم منه مها كانت كفته راجحة في الأوضاع المتداولة في الشارع.
إن مَن يظن أنه الأقدر في مخاض الطائفية النجس إنما يقود العراق الى سيناريو مشابه الى السيناريو السوري وهو أمر ممكن وسريع التحقق في ظل عقليات جربناها لا تختلف عن ظلاميات وعقد القرون الوسطى.

غير إن هذا الكلام لا يلغي بأي حال من الأحوال الصلة الفعالة بين الفساد والطائفية، وليس مسمى الإرهاب سوى النتيجة الحتمية لهما، ولعله إبنهما الوحيد المعوَل عليه في تهشيم العراق وتحويله الى هذه القرية التي تلتحف بمسميات دولية لم يبق من فاعليتها شيء سوى أنبوب النفط المختلف عليه بوصفه غيمة الحاضر ولا أحد يفكر بأنه ثروة أجيال.

النفط في السعودية جرى استثماره في رعاية مناسك الحج والعمرة. والنفط في الإمارات العربية بنى الصحاري، والغاز في قطر جلب اليها امتياز تنظيم كأس العالم، والنفط في الكويت حررها من غزو، والنفط في ايران صنع لها المفاعلات النووية التي قايضت بها الأمن والسلطة مع الغرب.
ياترى هل يستطيع أي منصف أو منحاز ، لم يعد يهم، أن يحدثنا عما صنعت الحكومات بنفط العراق في خلال عقد كامل من الزمن؟ أخشى أن يظن بعضهم أن دفع رواتب الموظفين من بيع النفط هو المنجز الأكبر.

العراق ليس في موقع يحتمل اجتهادات تجريبية من سياسيين خارجين من دهاليز لاتمت بصلة للمدنية والحضارة ، أو غارقين في مستنقع الآفتين، الفساد والطائفية، العراق أمام سؤال الوجود للمرة الأولى في تاريخه الحديث.