هناك الکثير من القواسم المشترکة العظمى بين موضوعي الاصلاح الذي يدعيه الرئيس الايراني حسن روحاني و بين موضوع الديمقراطية التي يرفع رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي عقيرته بها و يتفاخر بها على بقية بلدان المنطقة خصوصا وان إشکاليتي الاصلاح و الديمقراطية مازالتا تشغلان مساحة کبيرة من إهتمام المنطقة و تکادان في بعض الاحيان أن تطغيا على إشکاليات أخرى.
الحالة الاصلاحية التي يسعى الرئيس الايراني لتطبيقها، هي حالة خاصة تکاد أن تکون فريدة من نوعها في العالم، ذلك أن هذا الرجل يسعى لتحقيق إصلاح و إعتدال في ظل نظام ديني متشدد يحکمه مرشد أعلى للنظام(الولي الفقيه) و تنحصر بيده کل السلطات و بإمکانه نقض او إلغاء أي حکم او قانون وکذلك له حق عزل أي مسؤول في أي منصب قيادي کان، ولهذا فإن العملية فيها أکثر من علامة إستفهام و أکثر من علامة تعجب.
الاصلاح الذي ينادي به روحاني ليس إصلاح يستهدف بنية النظام و هيکليته وانما يتناول جوانبا محدودة أخرى مثل حقوق الانسان و السياسة الخارجية و الملف النووي و الانفتاح على العالم، ولحد الان ليست هنالك من ملامح نهج جديد بخصوص ملف حقوق الانسان في إيران لدى حکومة روحاني، سوى مجموعة تصريحات و وعود لايقابله على أرض الواقع أي تطبيق عملي، لکن وفي نفس الوقت هنالك من أمور تحدث ليس تعاکس الاصلاح الذي يدعيه روحاني وانما أيضا تبعث على القلق، إذ انه و طوال هذه السنة تم تنفيذ 622 حکم إعدام في إيران کان 422 منها في عهد روحاني نفسه الذي تسلم مهام منصب رئيس الجمهورية في شهر آب/أغسطس، أي ان 200 حکم إعدام قد تنفيذه في عهد خلفه المتشدد و المحافظ أحمدي نجاد خلال 7 أشهر في حين أن 422 حکم جرى تنفيذه في عهده"الاصلاحي" خلال أربعة أشهر ولازال الحبل على الجرار، ولو دققنا في الارقام و الفترة الزمنية لوجدنا أن أحکام الاعدام قد تضاعفت خلال عهده وأثارت الکثير من القلق و المخاوف لدى الاوساط المعنية بحقوق الانسان، خصوصا وان النظام الايراني قد تم توجيه 60 إدانة دولية له في مجال إنتهاك حقوق الانسان، أما فيما يتعلق بالملف النووي، فإن عقد إتفاق جنيف الذي وجد روحاني نفسه مضطرا للذهاب الى جنيف لتوقيع الاتفاقية، فإن أحد أبرز أعضاء حکومته وهو عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية قد وصف اتفاق جنيف بأنه مجرد بيان سياسي و لاتترتب عليه أية أعباء قانونية، کما أن صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية أکد هو الاخر ان التخصيب خط أحمر لايمکن التنازل عنه کما صدرت تأکيدات بعدم إستعداد النظام لغلق مفاعل آراك للماء الثقيل بالاضافة الى إعلان النظام عن نيته فتح مفاعل آخر في بوشهر"الذي يقع على خط الزلازل"، والاهم من هذا بأن النظام قد بادر الى سحب وفده في الاجتماع الاخير الى طهران للتشاور، أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في عهد روحاني فإن هناك سياق فضفاض غير واضح المعالم ولاسيما بشأن دول المنطقة إذ أن النفوذ في العراق و سوريا و لبنان لازال على حاله، کما أن دول الخليج بصورة خاصة مازالت تنظر بقلق الى النظام الايراني وليس بإمکانها أن تأمن جانبه، وبصورة عامة فإن إصلاح روحاني لحد الان ليس إلا مجرد کلام او مسائل إستعراضية من دون أي تطبيق عملي على الارض.
أما ديمقراطية رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي فهي الاخرى ملفتة للنظر، خصوصا عندما نجد أن إستلامه لولاية ثانية قد کان على أثر صفقة سياسية خاصة بين طهران و واشنطن تم على أثرها إبعاد رئيس القائمة العراقية أياد علاوي عن المنصب الذي کان من إستحقاق قائمته الفائزة، کما انه و خلال ولايته الثانية قد أثار قلق و توجس مختلف الفرقاء السياسيين الى الحد الذي تعالت الاصوات لسحب الثقة عنه لکن النظام الايراني الذي کان يقف خلفه لم يدع لعملية سحب الثقة أن تنال نصيبها من النجاح، والذي يدعو للتأمل و الملاحظة هنا هو أن المالکي قد رمى بکل کراته في سلة النظام الايراني و من خلال هذا النظام استقوى و يستقوي على أقرانه من مختلف الاطياف السياسية الاخرى، والغريب أن فترة الولاية الثانية للمالکي قد شهدت إضطرابا غير مسبوقا في مجال التدهور الامني و کذلك تصاعد المد الطائفي و الطروحات و الاراء المختلفة بشأن تقسيم العراق على أسس طائفية و عرقية، وعلى الرغم من أن کل هذا يعني بالاساس فشلا سياسيا ذريعا للمالکي، لکنه و على الرغم من ذلك و طبقا للأعراف المتبعة في الانظمة الديمقراطية لم يتحمل المسؤولية و يقدم إستقالته بل وانه يمم وجهه شطر واشنطن و طهران لکي يحوز على رضاهما من أجل نيل ولاية ثالثة رغم أن دستور(العراق الجديد!!)لايسمح بذلك.
من يصدق بإصلاح و إعتدال روحاني عليه أن يصدق أيضا بديمقراطية المالکي التي لاوجود لها على الارض، ومن هنا فإنه من حقنا أن نسمي هاتين التجربتين بتوأمي روح بعضهما!