وُضع برنامج المصالحة الوطنية (الحوار الوطني سابقاً) ورُصدت له الأموال الطائلة من أجل هدف كبير، هو تحقيق السلم الأهلي وضبط الخلافات السياسية بين القوى المتصارعة على السلطة على ايقاع هادئ يعتمد الوسائل غير العنفية للتنافس على مناصب السلطة ومصادر الثروة وتبادلها. الآن بعد مرور كل هذه السنوات يتبين ان ذلك البرنامج لم يحقق شيئاً يُذكر على الإطلاق .. هذا الكلام لن يعجب الحكومة والقائمين على مستشارية (وزارة سابقاً) المصالحة الوطنية التابعة لمكتب رئيس مجلس الوزراء مباشرة، لكن لا حاجة للكلام المسهب لاثبات ان المصالحة قد فشلت مثلما فشل أغلب البرامج التي تعهدت هذه الحكومة انجازها. يكفي أن نشير الى ان الخط البياني للعنف في تصاعد متواصل، بل انه خلال العام الحالي عاد الى مستويات العام 2008 وما قبله، فعمليات التفجير بالجملة عادت، وعادت معها عمليات القتل على الهوية، الفردية والجماعية، على مدار الساعة. في مرحلة ما ظل المسؤولون في وزارة (مستشارية) المصالحة الوطنية يخرجون علينا بين شهر وآخر، واحياناً اسبوعياً، بمؤتمرات صحفية يقدمون فيها مَنْ يفترض أنهم قادة وممثلون لجماعات وحركات مسلحة انخرطت في برنامج المصالحة وألقت اسلحتها جانباً. وفي مرتين أو أكثر وصل عدد المشاركين في المؤتمرات الصحفية الى 15. ومن المفترض، استناداً الى تلك المؤتمرات ان عدد الجماعات والحركات المسلحة المتصالحة قد بلغ مئة أو أكثر. لماذا إذاً لم تتحقق المصالحة حتى اليوم؟ هل كان انخراط تلك الفصائل والجماعات في برنامج المصالحة حقيقياً أم زائفاً؟ واذا كان حقيقياً فلماذا لم ينخفض مستوى العنف؟ لا أحد يمكنه الاجابة عن هذه الاسئلة غير مستشارية المصالحة الوطنية ورئاسة مجلس الوزراء، فهما الأعرف ببواطن الامور. المهم ان برنامج المصالحة فاشل، وهذا ما يؤكده نواب من كتل مختلفة، ففي تقرير تصدّر عدد أمس لهذه الصحيفة (المدى) استخدم هؤلاء النواب، وهم من كتل عديدة، التعبير نفسه "الفشل" لوصف ما آل إليه البرنامج الحكومي، فيما رأوا ان المصالحة الشعبية "سجلت نجاحاً أكثر من المصالحة الحكومية"، لافتين الى ان الموازنات الكبيرة التي رُصدت لهذا البرنامج أُسيء استغلالها واستخدمت "في شراء الولاء والذمم ايام الحملات الانتخابية". لكنني لا اظن ان السب الوحيد لفشل البرنامج يعود الى سوء استخدام المال المخصص للمصالحة، فالفشل الحكومي في المجالات والقطاعات الاخرى هو من اسباب الفشل. عدم حل مشكلة البطالة والفقر سبب رئيس. تفشي الفساد المالي والإداري سبب رئيس أيضاً. سوء معاملة القوات الامنية ليس فقط للمعتقلين وانما أيضاً لعموم الناس وعدم تشبع هذه القوات بفكرة حقوق الانسان سبب رئيس آخر. الازمة السياسية المتواصلة والمتفاقمة في حدتها سبب آخر. ويمكن ان تكون طبيعة الناس المكلفين تطبيق البرنامج سبباً لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى.
|