يستحق العام المنصرم لقب عام الأزمات على الصعيد الوطني. فقد دخل العراق ذلك العام مصطحبا معه أزمة نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي والتي تفاقمت خلال العام المنصرم وتسببت بحالة من التوتر بين حكومتي الاقليم والمركز على خلفية مغادرته للاقليم بعد صدور اوامر بالقاء القبض عليه اصدرها القضاء العراقي . وبعد صدور احكام بالاعدام عليه اعترت كتلته حالة من القلق خوفا من تكرارا هذا السيناريو في ظل قضاء عراقي لا يمكن اعتباره نزيها وبعيدا عن تأثيرات السلطة التنفيذية ان لم يكن اداة لها.
وقد شهد العام كذلك طرح مشروع حجب الثقة عن رئيس الوزراء العراقي والذي اتفقت عليه ثلاث قوى رئيسية الا وهي كتلتي التحالف الكردستاني والعراقية فضلا عن كتلة الاحرار التي يوجهها السيد مقتدى الصدر. وبرغم ان اطروحة حجب الثقة شرعية ومن صلب العمل الديمقراطي الا انها ووجهت بمعارضة شديدة من لدن كتلة رئيس الوزراء التي اعتبرتها مؤامرة خارجية مهددة باللجوء الى الشارع لثني اصحابها عن الاستمرار بها.
لقد عمق التجاذب بين القوى السياسية ازاء مشروع طرح الثقة حالة الانقسام بين مختلف القوى وبين حكومتي المركز والاقليم حيث اعتبرت كتلة رئيس الوزراء بان المشروع ولد في اربيل التي دعمته واحتضنته ملقية باللوم على السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان وبالتالي ساهمت تلك التجاذبات في ايجاد حالة من التنافر بين الاقليم والمركز على الصعيد الرسمي غير انها ما لبثت ان امتدت الى الشارع لتصبح حالة شعبية .وبرغم فشل مشروع حجب الثقة الا انه افرز حالة من الاستقطاب داخل جميع الكتل السياسية بين معارض ومؤيد له.
ومما زاد في الطين بلة هو الخلافات بين حكومتي الاقليم والمركز حول ادارة الملف النفطي . فبغداد تنظر الى عقود اربيل النفطية على انها غير دستورية مطالبة الشركات بفسخها في حين تعتبرها اربيل دستورية في ظل غياب قانون للنفط ينظم عملية ادارة الملف النفطي في البلاد.لقد ادت تلك الخلافات الى توقف صادرات النفط من الاقليم عدة مرات بسبب عدم وفاء حكومة بغدا بالتزاماتها حيال الشركات المستخرجة للنفط في كردستان.
وقد شهد العام كذلك تحركا عسكريا قادته بغداد في محاولة للتمدد الى الحدود العراقي الشمالية الغربية والمحاذية لسوريا تحت ذريعة وقف تسرب الارهابيين عبرها الى العراق ، غير ان تلك المحاولة ووجهت برفض من قوات الاقليم حتى كاد ان يقع صدام بينهما ولم تهدأ الاوضاع الا بعد ان وقف كل طرف في مواقعه ولم يتمدد على حساب الاخر.
ثم اعقب ذلك محاولات رئيس الوزراء العراقي ولوحده ادارة ملف المناطق المتنازع عليها وذلك عبر تشكيل مايعرف بقوات دجلة وذلك بعد ان عقد رئيس الوزراء العراقي اجتماعا لحكومته في كركوك في تحد واضح لحكومة الاقليم التي طالبته بالتقيد بالدستور وخاصة المادة 140 منه والتي وضعت خارطة طريق لحل مشكلة المناطق المتنازع عليها وخاصة مدينة كركوك النفطية .
وكاد ان يقع نزاع مسلح بين تلك القوات وقوات البيشمركة خاصة بعد دخول قوات دجلة الى منطقة الطوز حيث وقع اشتباك خلف عدد من الجرحى فضلا عن قتيل واحد. وهو الامر الذي وضع البلاد على شفير حرب اهلية. وكانت اخر الازمات التي خلفها العام الجديد هي ازمة حماية وزير المالية وعضو كتلة العراقية رافع العيساوي والذين اتهموا بالمشاركة في تنفيذ اعمال ارهابية وصدرت اوامر بالقاء القبض عليهم في سيناريو مشابه لسيناريو نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي.
وبعد الدخول في اجواء النزاعات القومية التي خلفتها تشكيل قوة عمليات دجلة جاء دور النزاعات الطائفية التي خلفتها قضية العيساوي لتندلع المظاهرات والاعتصامات في محافظتي الانبار والموصل احتجاجا على تطورات هذه القضية . لقد كانت تلك الازمات هي ابرز ما مر على العراق خلال العام الماضي ،ولقد وقعت في حالة من الفساد المالي والاداري لم يشهد لها العراق مثيلا عبر تاريخه.
وفي ظل حالة من سوء الخدمات والفشل الحكومي عن معالجة العديد من الملفات التي اصبحت مزمنة كملف الكهرباء . فضلا عن العمليات الارهابية التي ضربت العراق مرات عديدة طوال العام. لقد كان مؤملا في ذلك العام الذي دخلت فيه العملية السياسية عامها العاشر ،ان تتطور العملية الديمقراطية وتنضج وان يخرج العراق من حالة اللاامن والنازع والتردي الى وضع افضل . غير ان الايام الخوالي اثبتت بان كل شيء يتراجع في العراق ، فالعملية الديمقراطية تتردى والخلافات تتعمق وشبح الحرب الاهلية يلوح في الافق اكثر من اي وقت مضى.
وعند البحث في اسباب كل تلك الازمات فان عاملا اساسيا يقف خلفها وهذا العامل هو سلوك الاقلية الحاكمة في بغداد اليوم والتي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي. فهذا الاقلية تدافع عن كرسي الحكم التذي تعتليه اليوم وتسعى لاحكام قبضتها على السلطة غير ابهة بالمخاطر التي تسببها للبلاد بسبب خلقها للازمات. فازمة الهاشمي ماكان لها ان تأخذ هذا البعد لولا سيرة القضاء العراقي الذي اصبح مطعونا في نزاهته وحياديته بعد ان اصبح اداة بيد تلك الاقلية .
فالقضاء الذي يغض النظر عن جرائم فساد وزير التجارة الاسبق ويغض النظر عن اوامر القاء القبض بحق وزير التجارة السابق ويسقط التهم والاحكام عن مشعان الجبوري لا يمكن الوثوق باحكامه وقراراته وان كانت سليمة وهو الامر الذي ادى الى تفاقم ازمة نائب رئيس الجمهورية فضلا عن الاتهامات بتعذيب المعتقلين والتي تضع علامات من الشك حول حقيقة الاعترافات التي يدلي بها المعتقلون.
وأما ازمة سحب الثقة فقد تسببت بها ايضا الاقلية الحاكمة في بغداد وذلك بسبب تنصلها عن تنفيذ الاتفاقيات والعهود التي امضتها مع الكتل الاخرى والتي افضت لتشكيل الحكومة الحالية وفي طليعتها اتفاقية اربيل التي لم يلتزم بها المالكي. فضلا عن عدم التزامه ببنود الدستور وبمبدأ الشراكة في الحكم وسعيه لاحكام قبضته على السلطة.
وهو ذات السبب الذي ادى لاندلاع الازمة مع اقليم كردستان بسبب سعيه لتجاوز حكومة الاقليم التي لها صلاحيات حددها الدستور فضلا عن محاربته لسياسة حكومة الاقليم النفطية .وكان لتلكؤه في تنفيذ المادة 140 وفي سعيها لفرض امر واقع في تلك المناطق اثرا كبيرا في توتر علاقته مع الاقليم التي حاول ان يلبسها ثوبا قوميا عبر تحريكه لقوات دجلة محاولا خلط الاوراق بغية التهرب من الالتزامات الدستورية ومن تنفيذ اتفاقية اربيل.
وكانت ازمة العيساوي الاخيرة القشة التي قصمت ظهر البعير واعادت العراق الى اجواء الحرب الطائفية بعد ان ظن الجميع بانها قد ولت وبلا رجعه ، الا ان المالكي يابى الا ان يصنع ازمة تلو ازمة في ظل اجواء طائفية مشحونة تعيشها المنطقة وفي ظل استقطابات سياسية في المنطقة بين محورين اساسيين وهو الامر الذي ادخل العراق في لعبة صراع المحاور.
واخيراجاءت موجة الامطار الاخيرة لتكشف عمق ازمة الخدمات التي يعيشها العراق بفضل فشل سياسات حكومة المالكي في اعادة بناء البنى التحتية المدمرة برغم هدرها لاكثر من ستمئة مليار دولار طيلة فترة حكمها. لقد اثبتت تلك الازمات ان طرفا واحدا مسؤول عن اثارتها سعيا منه لاحكام قبضته على السلطة ولو باثارة النزاعات القومية والطائفية وتدمير العملية السياسية وزج العراق في صراعات اقليمية فمايهم الاقلية الحاكمة هو دوام نفوذها وهيمنتها على كافة موارد البلاد واما ثمن التخلي عنها فهو تدمير العراق وتركه ارضا بوارا وهو الامر المتوقع في العام الجديد ان لم توقف هذه الاقلية عند حدها.
|