الحوار الحضاري هو الطريق الصائب لحل المشاكل السياسية |
ربما يمكن حل المشاكل الشخصية في الحياة اليومية من دون عناء كبير أو استشارة خبير، ولكن حتى هذا النوع من المشاكل يحتاج حلها الى التروي والتفكير: لمعرفة السبب أوإدراك الخطأ وتحديد الأسلوب وتقدير النتيجة. أما المشاكل الكبيرة، كالتي تعترض سبيل العملية السياسية في بلد أنهكته المظالم و الحروب والأرهاب كالعراق، وبالذات في مرحلة الأنتقال من الدكتاتورية الى الديمقراطية ومن التعصب الى الأعتدال ومن الفساد الى النزاهة ومن ثقافة العنف والنفاق وعبادة الأشخاص الى ثقافة التسامح والتعاون وتقييم الأنسان على أساس الأفعال والسلوك، فسيحتاج حلها بدون شك الى ميزتي الحكمة والمشورة الواجب توفرهما في قادة الأحزاب السياسية المخلصين و رجال الدولة الحقيقيين. وإلاّ فإن تعليق وتعقيد المشاكل السياسية (خاصة في مجالي السلطة والثروة) يحولانها بسهولة الى أزمات خانقة أو بالأحرى الى صراعات مريرة تترتب عليها عواقب وخيمة للناس والديار، لذلك يجب معالجتها في ضوء إدارة النزاعات باسلوب عقلاني بهدف حلها بصورة صائبة ونهائية. فالمشاكل المعقدة المزمنة والمستجدة لأسباب سياسية أودوافع نفعية لايمكن حلها بالأساليب التقليدية المتزمتة أو العاطفية أو الديماغوغية أو بالتصريحات الصحفية والمقابلات التلفزيونية عبر تبادل الأتهامات أو التهديدات أو باطلاق وعود غير واقعية أو التلويح بمشاريع غيرجدية بغية تهديد الخصوم و خداع الرعية أو بعقد تحالفات تكتيكية بين أطراف سياسية غير منسجمة وذات أهداف متناقضة فقط لغرض محدد أو بإتباع سياسة التفرّد والأنفراد أوالتعنت العقيم والتصعيد المستفز. انّ الأزمة السياسية الحالية التي يمّر بها العراق الجديد هي فعلاَ أخطر أزمة بعد سقوط النظام البعثي، فهي عاصفة وتهدد العملية السياسية برمتها وقد تنجم عن التعامل الخاطئ إزاءها المجازفة بجميع إنجازات العهد الجديد وفي مقدمتها الدستور الدائم ومكاسبه. لذلك يستوجب على جميع الساسة، خاصة في بغداد والرمادي وأربيل، التمعن في أسلوب ومسعى حلها جيداً، وذلك بدراستها بدقة ومواجهتها ببعد النظر وتجنب إتخاذ القرارات السريعة بشأنها. فالحكمة تستلزم سلوك السبيل الأصح لحل جميع المشاكل القائمة بين الحكومة الأتحادية وأهالي المحافظات الغربية وكذلك بين الحكومة الأتحادية وحكومة إقليم كوردستان عن طريق الحوار الحضاري الشفاف والصريح لمناقشة كل الأسباب والدوافع ومراجعة جميع الأخطاء والنواقص والأستعداد المتبادل لتجاوز التقصير و ردود الأفعال في ضوء المصالح العليا للشعب: في المحافظات الغربية وفي إقليم كوردستان وفي أقاليم العراق الأخرى جميعاً ومن اجل إدامة وتدعيم مظلة العملية السياسية الكامنة في استتباب الأمن والأستقرار الضامنة للتعايش و التقدم والأزدهار بقطع الطريق عن مجاميع قاعدة الأرهاب القديمة في العراق و الجديدة في سوريا لأستغلال الجو المشحون بالمنازعات والصراعات بين القوى السياسية الفعالة في العراق الجديد لنشر المزيد من القتل والدمار بين العباد والديار بهدف إجهاض العملية السياسية الرامية الى بناء عراق ديمقراطي فيدرالي مستقر ومزدهر. إنَ السياسة بمفهومها العلمي الجوهري هي مبدأ أو قاعدة توجه القرارات من أجل تحقيق نتيجة عقلانية لمسائل الدولة، وفي ضوء الوقائع المذكورة والحلول الدستورية الممكنة للمشاكل القائمة فان مَكمَن القرارات الكفيلة بتحقيق نتيجة عقلانية هو الحوار الحضاري.
|