مصفاة ميسان وتبريرات الدكتور الشهرستاني... تخبط يثبت الفساد في الصفقة






العراق تايمز: كتب د . عبد علي عوض

إنّ أركان التنمية الشاملة تتمثل بالثروات الطبيعية الموجودة تحت الأرض والمياه والأراضي الخصبة والبشرية (الزخم السكاني والطاقات العلمية)، وفي مقالة سابقة بيّنتُ الأسباب ألتي تجعل بعض الدول مُجبَرة على تقديم الإغراءات لشركات الإستثمار الأجنبية للنهوض بواقعها الإقتصادي، فألدول الخليجية تمتلك الثروات الطبيعية لكنها تفتقد الثروة البشرية وتعاني من أراضيها الجرداء الصحراوية (تدريجياً حولتها الى بساط أخضر لوفرة الأموال) مع عدم وجود الثروة المائية، وتكون الصورة معكوسة في مصر والأردن، إذ أنّ البلدَين يعانيان من شحة الموارد الطبيعية والتمويل المالي لكن يمتلكان القدرات البشرية، وهذه الصورة لاتنطبق على العراق، حيث تتوفر الموارد الطبيعية - المالية والبشرية والتربة الخصبة والمياه، إذن ما هي الدوافع الحقيقية الدفينة لفتح أبواب الإستثمار في مجال الصناعة النفطية!؟.
قبل يومين تابعتُ المقابلة التي اُجريَتْ مع نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني، ومن الأمور التي سُئلَ عنها قضية مصفاة ميسان وما اُثيرَ من تساؤلات حول الشركة السويسرية– ساتارم- التي تمَّ التوقيع معها على مذكرة التفاهم، وكانت تتلخص تلك التساؤلات في مجالَين – المجال التمويلي للمشروع، إذ أنَّ تلك الشركة لاتمتلك رأسمالاً تشغيلياً كبيراً قياساً بتكلفة بناء المصفاة (6 مليارات دولار)، والمجال الثاني هو التخصص في بناء المصافي، حيث إتضحَ أن الشركة المذكورة لاتمتلك الباع الطويل في مضمار بناء المصافي.
علينا الإنتباه إلى ما ذكره السيد الشهرستاني من أنّ الشركة المعنية إعتمَدتْ على القروض من البنوك الكبيرة، طبعاً من المؤكد أن تلك البنوك فرضَت فوائد عالية على قروضها مما أدى ذلك إلى إرتفاع التكلفة لبناء المصفاة، ونحن نعلم جيداً أنّ تكلفة بناء مصفاة بطاقة تصفية (150 الف برميل يومياً كمصفاة ميسان) وبالأسعار الجارية العالمية تتراوح بين 1,5 إلى 2 مليار دولار!. النقطة الأخرى المثيرة التي ذكرها نائب رئيس الوزراء هي أنّ تلك الشركة ستقوم بشراء النفط الخام العراقي بالسعر العالمي وتبيع مشتقاته النفطية للعراق بالسعر العالمي أيضاً مع تخفيض بسيط في السعر. إذا كان الأمر كذلك، فمعدل سعر اللتر الواحد من البنزين هو 1،5 دولار بالسوق العالمي أي 1600 دينار، فهَل أنّ معدل دخل الفرد العراقي ومستواه المعيشي يسمح بذلك!!؟؟.. والطامّة الكبرى الأخرى هي أنّ الأرض المُزمَع إنشاء المصفاة عليها تُعطى مجاناً للشركة، ولن تنتقل ملكية المصفاة بعد فترة إلى وزارة النفط ! ... وقبل مقابلة السيد الشهرستاني، سبقتها مقابلة أخرى على الفضائية العراقية الرسمية مع ثلاثة أشخاص – الناطق الرسمي بإسم وزارة النفط ومعاون مدير الدائرة الإقتصادية ومسؤول الشؤون القانونية في الوزارة، وللأسف ما تفوّه به الثلاثة من تبريرات ساذجة وسطحية، أكدَتْ على التغييب المتعمَّد للعقل الأكاديمي الإقتصادي العراقي الذي يستطيع الحفاظ على الثروات الطبيعية وإستغلالها بالشكل الأمثل وتحقيق التنمية المستدامة.
لقد أصبَحت الصورة واضحة، فما جرى حول قضية مصفاة ميسان يمثل إحدى صوَر الجريمة الإقتصادية بحق ثروات العراق!... العراق بحاجة إلى بناء العديد من المصافي حتى يستطيع تصدير المشتقات النفطية الى الخارج، ونعلم جيداً أن سعر البرميل الواحد من تلك المشتقات في السوق العالمية يُقدَّر بـ 6 – 10 أضعاف سعر برميل النفط الخام. فإذا سارت وزارة النفط بهذا النهج التخريبي في بناء المصافي (كما حصل مع الشركة السويسرية)، فلن يستطيع العراق تصدير مشتقاته النفطية التي تعود عليه بالعوائد المالية الكبيرة.
آخِر ما أقوله للسيد النائب هو أنَّ ما موجود من الثروات الطبيعية وما يتصل بها من الصناعات التحويلية والإستخراجية هي ملك مطلَق للشعب العراقي، فلا يجوز إشراك أية جهة في إمتلاكها وتقاسم عوائدها، بَل يجب الثبات على نهج عقود المقاولات وليس إقتسام الثروات.
إضافة ًإلى ذلك، يجب تذكير السيد النائب، هو إذا كانت وزارة النفط تعاني من العجز في التخصيصات المالية لبناء المصافي، فبإمكان الحكومة أن تحد من إستيراد السلع الإستهلاكية التي تعدَّت أقيامها ألـ 74 مليار دولار في عام 2013 من خلال زيادة التعرفة الگمرگية ومنع دخول بعض السلع الكمالية وتحويل ثلثي تلك المبالغ إلى بناء المصافي ومشاريع البُنى التحتية والمشاريع الأخرى.