سُرّ ما خَطرْ!! (15, 16)..بقلم/ د. صادق السامرائي |
مونيه وبوديه إنطلقا على ضفاف نهر السين رافعان رايات الإنطباعية فبعد أن كان الرسم في داخل الغرف صار حرا في الهواء الطلق فالتصقت العيون بالآفاق الملونة وبالمياه وأخذت ترسم ما تتمثله وتدركه بريشة التماهي والتفاعل الحي المبدع الفياض
وفي مدينة "هوفر" بدأت مدرسة الإنطباعيين فازدحمت ضفاف النهر بالرسامين وأوجدت مدارس الإبداع الخلاقة وفي مدينتي كان الغروب رائعا والإشراق لمرتين والأفق خلابا لكننا لم نرسم وما نقلنا صورة الطبيعة والإنسان في رسوماتنا بل وحتى في تصويرنا ولم تلد مدينتنا إنطباعيا واحدا وكان الإنطباعي الأوحد هو الشاعر الجواهري الذي رسم صورتها بقصائده فلم يرسمها بالشعر أحدٌ غيره لا أبو تمام ولا البحتري ولا إبن المعتز وحتى يومنا هذا لم يرسمها إنسان مولود في أحضانها فهل توجد علاقة ما بين مدننا وإنسانها؟!!
الإنسان الذي لا يعرف مدينته لا يمكنه أن يعرف طريقه ولا يستطيع أن يحقق إبداعا أو يشارك في بناء عمارة وجود حضاري زاهي فهو كإبن لا أدري ووليد لا أعرف أو كالمقطوع من شجرة المجهول والمحكوم بالخواء والذبول
- 16 - الكثيدرائيات تحف عمرانية أبدعها الإنسان المشبع بالروعة والجمال وحب الصفاء والتسامي والرقاء كأنها لوحات فنية ذات مواطن جمال وبهاء وألوان تؤثر في النفس والروح وفي مدينتنا كانت المعالم العمرانية ذات آيات جمالية وإبداعية خلابة لكن المتذوقين للجمال غادروها فتحولت إلى خرائب وأطلال أ لم تك فيها أجمل قصور الدنيا؟ وأبهى جوامعها ومآذنها وعماراتها نعم كانت!! لكنها أصبحت أنقاضا!!
وما بقيت منها شامخة شاهدة إلا الملوية التي تحاول بإرادة فكرتها وتأريخها مقاومة قدرات الإبادة العمرانية والتراثية التي تريد أن تمحق معالم المدينة وتلغي هويتها العربية الإسلامية!
الملوية لوحة فنية إنطباعية عبّرت عن قدرات تحويل الفكرة الإنسانية إلى وجود فني عمراني أصيل ينطلق من أعماق التراب نحو أعماق الأكوان السبعة لتعلن أن رسالة الإنسان إطلاق ما فيه من قدرات الخير ليصنع الحياة الأفضل والأصلح
الملوية أبجدية خلود ورسالة سرمد روحي وهّاج يتسلق مدارج العلياء وينبسط على مديات أفق الإتساع الأعظم في مدارات تتسامق وتتوالد لتعلن المعاني الجوهرية لنبضات الحياة فوق تراب دوار وهي تتكلم بلسان الإلتواء وإنبثاق طاقات الرجاء!!
|