الانتخابات, إما أن تُسْفِرْ أو تُغْبِرْ


العراق مقبل على ممارسة ديمقراطية جديدة, هذه الممارسة موعدها الثلاثين من نيسان القادم, لانتخاب المجلس التشريعي, والمتمثل بمجلس النواب والذي بدوره, ينتخب رئيسا للجمهورية ويصادق على تشكيل الحكومة بعد تكليف الرئيس لرئيس حكومة.
هذه الممارسة ـ الانتخابات ـ هي استمرار للمنهج الديمقراطي الجديد في العراق, بعد تجربتين لحكومتين بدورة حكم لأربع سنوات.
أفضت التجربتين السابقتين إلى تسنم السيد نوري كامل المالكي سدة الحكم في العراق, فصار رئيسا للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة, ومع كل التجاذبات والحيثيات التي رافقت تكليف المالكي وكذلك تشكيل الحكومة, إلا إن الأكيد هو إن الحكومة تشكلت.
وبعد فترة ثمان سنوات مرت من حكم المالكي يجب تقييم وتقويم تلك الفترة, وعلى الناخب أن يدرس وبدقة وبمنتهى الشفافية أداء الحكومة والوقوف على حسناتها ـ إن كانت هناك حسنات ـ وعلى سلبياتها ـ وما أكثر السلبيات ـ
كلا الفترتين, سارتا تقريبا بنفس الوتيرة, فلا خطط ولا ملامح واضحة لإدارة البلد, تخبط وعشوائية في اتخاذ القرارات, فساد ازكم الأنوف برائحته, خدمات فاشلة أو قد تكون معدومة, وانهيار وخرق امني واضح.
الكل في العراق عانى من المشاكل التي لم تعالجها الحكومة, فالعراقيون استبيحت دماءهم على الأرصفة, وصاروا وقودا لنار الإرهاب في وقت كانت الحكومة محصنة في قلاعها الخضراء.
البطالة التي وعد المالكي بأنها ستنتهي بحلول عام 2009 تضخمت, وأفواج العاطلين تملأ الشوارع, كذلك ملف التموينية لم يعالج وكأن وزارة التجارة لا يعنيها الأمر.
الخدمات ومشاريع البنى التحتية, انعدمت, وان ما وجد منها فهو ليس بالمستوى المطلوب, فلا طرق ولا مدارس ولا مستشفيات ولا شبكات الصرف, وكلها من الأمور التي تمس حياة المواطن.
الأهم في ذلك هو إن الحكومة أصبحت إقطاعيات بيد أشخاص معدودين, يصولون ويجولون بمقدرات البلاد والعباد, فأصبحت مؤسسات الدولة عبارة عن مؤسسات بيروقراطية, لا تلبي الطموح في انجاز ما ملقى على عاتقها, حتى أصبحت الدائرة عبارة عن ضيعة للمسؤول وعائلته.
كذلك من الأمور المهمة التي أفرزتها حكومة المالكي بفترتيها هي التمسك الذي بدا واضحا بالسلطة, وظهرت نظرية "بعد ما ننطيها" التي يعد المالكي عرابها, وهذا التمسك ينذر بأمر خطير وهو التأسيس لدكتاتورية جديدة.
في كلا الفترتين تم خرق الدستور أكثر من مرة بدءا بتشكيلها مرورا بإعادة البعثيين وإلغاء هيئة الاجتثاث وتحويلها إلى مسائلة وعدالة, كذلك حنث باليمين في صيانة وحفظ الدستور.
الأمر الأخطر الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار ـ خصوصا من قبل أبناء الطائفة الشيعية ـ فالمالكي محسوب عليهم, وهم أغلبية, كما إن مناطق الشيعة هي مناطق غنية, بمواردها وثرواتها ومسطحاتها المائية’ إلا إن مدنها تعيش أسوء الأوضاع, وأبناء المناطق الشيعية محرومون, والبطالة والفقر فتكا بهم, كما إن مدنهم أصبحت أهدافا للجماعات الإرهابية, وصارت أرواحهم تزهق في محرقة الموت التي صنعها التكفيريون.
ثم إن الشيعة تاريخيا يعتبر ما حققوه بعد سقوط صدام, يعتبر انجازا تاريخيا لم يتسنى لأي قائد شيعي قبل هذا الوقت وبهذه الصورة, ومما يبدو إن الكل تحشد لأخذ الحكم من الشيعة, وكان المالكي بتمسكه بالحكم وتشتتيه لإخوته الشيعة وزرع الفرقة بينهم كان قد أعطى الضوء الأخضر لطموحات ونوايا الغير في العودة إلى سدة الحكم, وعندها سيقع الندم ولات حين مندم.
بعد هذا, بدا عمليا إن الانتخابات القادمة تعد انتخابات مصيرية لأنها تحدد وجود المكونات, وخصوصا الشيعة منهم, كما إنها ـ الانتخابات ـ إذا أفضت لتسنم شخص غير المالكي ومن غير حزبه ولكن من نفس المكون, فعندها سيطمئن الجميع إلى إن هناك تداول سلميا للسلطة, وان صناديق الاقتراع ونتائجها ستكون محترمة وقتئذ, الأمر الذي يجعل الانتخابات إما إن تسفر عن ملامح جديدة للعراق, أو تغبر فتكون عندها الرؤية غير واضحة والضبابية مكتنفة للوضع العراقي.